النوم الثقيل و، الخفيف وحكم بقاء الوضوء في كل منهما عند اهل العلم:
النوم :
نَوْم: ( اسم ) وهو مصدر :
نامَ =
نام ، ينام ، نوماً نَوَّمَ: ( فعل )
نوَّمَ ينوِّم ، تنويمًا ، فهو
مُنوِّم ، والمفعول
مُنوَّم - للمتعدِّي
نُوَّم : جمع
نائِمو
نائمة ، نائمات و نُوَّم و نِيَام و
النوم هو :
الإِغْفَاءُ ، فترة راحةٍ للبدن والعقل ، تغيب خِلالَها الإرادةُ والوعي جُزئياً أَو كليّاً ، وتتوقَّف فيها جزيئًّا الوظائفُ البدنية.
وقيل النوم هو : الإِغْفَاءُ ، أَيِ الفَتْرَةُ الَّتِي يَسْتَلْقِي فِيهَا الكَائِنُ الْحَيُّ عَلَى الفِرَاشِ لِيَنَامَ وَيَغِيبَ فِيهَا وَعْيُهُ وَيَبْطُلَ عَمَلُ الْحَوَاسِّ.
وقيل : هو حالة تعرض للانسان والحيوان ؛ فتسترخي أعصاب دماغه .
قيل
من رطوبات الأبخرة المتصاعدة ، وقيل بسبب ريح إذا شمها أذهبت حواسه .
وقيل إنما النوم انعكاس الحواس الظاهرة إلى الباطنة حتى يصح أن يرى الرؤيا.
و
النوم الثقيل هو الذي
يغيب فيه العقل ، وله علامات كثيرة منها :
سيلان الريق ، وانقطاع الأصوات عن النائم ، وسقوط ما بيده ، ونحو ذلك ، وهو
ينقض الوضوء عند المالكية سواء قصرت مدته أو طالت ، وسواء كان النائم مضطجعا أو ساجدا أو جالسا أو قائماً.
أما
النوم الخفيف ؛
فلا ينقض عند
المالكية ، لكن
يستحب الوضوء منه إذا طالت مدته.
وقال بعضهم :
يجب الوضوء من النوم في الاضطجاع والسجود ، ولا يجب في القيام والجلوس.
وقال
ابن بشير :
يجب منه إذا طال على أي حال.
وقد اختلف العلماء في نقض الوضوء بالنوم ، وهذه أقوالهم مع أدلتها والمناقشة ، ثم الترجيح :
القول الأول :
أن كثيره ينقض بكل حال ، ولا ينقض قليله ، وهو مذهب المالكية والحنابلة .
القول الثاني :
أن النائم الممكن مقعده من الأرض أو نحوها لا ينتقض وضوءه وغيره ينتقض ، سواء كان في صلاة أو غيرها ، وسواء طال نومه أم لا ، وهو مذهب الشافعية.
القول الثالث :
أنه إن نام على هيئة من هيئات المصلي ، كالراكع ، والساجد ، والقائم ، والقاعد ؛ لم ينتقض ، سواء كان في الصلاة أم لا ، وإن نام مستلقيا أو مضطجعا انتقض ، وهو مذهب الحنفية.
القول الرابع :
أن النوم لا ينقض الوضوء مطلقا ، وحكي عن أبي موسى الأشعري ، وعن ابن عمر ، ومكحول ، وعبيدة السلماني ، وسعيد بن المسيب ، وأبي مجلز ، وحميد الأعرج ، والأوزاعي.
قال
ابن حزم :
وهو قول صحيح عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.
القول الخامس :
أنه ينقض الوضوء مطلقا بأي حال كان ، وهو مذهب أبي هريرة ، وعروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهم ، وعطاء ، وعكرمة ، وإسحاق بن راهوية ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ، والمزني ، والحسن البصري ، وسعيد بن المسيب ، والزهري ، والإمام ابن حزم ، وابن المنذر.
القول السادس :
أن النوم لا ينقض الوضوء إلا نوم المضطجع فقط ، وهو مذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنه ، وإبراهيم النخعي ، والليث بن سعد ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وداود بن علي.
الأدلة والمناقشة :
أدلة القول الأول :
الدليل الأول :
حديث أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون. (البخاري )
قالوا :
وهذا يكون في النوم القليل.
واعترض الاستدلال بهذا الحديث من وجهين :
الوجه الأول :
أنه ليس فيه تفريق بين قليل النوم وكثيره ، ودعواهم أن خفق الرءوس إنما يكون في القليل لا يقبل.
الوجه الثاني :
أنه ليس فيه بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك ، ولا رآهم ؛ فهو فعل صحابي لا يدرى كيف وقع ، والحجة إنما هي في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وتقريراته.
وأجيب بأنه لو كان ناقضا لما أقرهم الله عليه ، وأوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، كما أوحي إليه في شأن نجاسة نعله ، وبالأولى صحة صلاة من خلفه.
الدليل الثاني : حديث
صفوان بن عسال :"
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ؛ لكن من غائط ، وبول ، ونوم ".
قال
ابن عبد البر رحمه الله تعالى : "
فسوى بين البول والغائط والنوم في هذا الحديث ، والنوم كالحدث ؛ ولكنه لا يقوى قوة الحدث ؛ لأن الحدث قليله وكثيره وصغيره وكبيره سواء في نقض الطهارة ، وقليل النوم متجاوز عنه لا حكم له ، والدليل على الفرق بينهما قوله صلى الله عليه وسلم : "
وكاء السه العينان فإذا نامت العينان استطلق الوكاء فمن نام فليتوضأ"
فدلنا بقوله عليه السلام على أن النوم إذا استحكم ، ونامت العينان ؛ لم يؤمن الحدث في الأغلب ، والنادر لا يراعي ، ومن لم يستثقل نوما وإنما اعتراه النعاس ؛ فقد أمن منه الحدث ، وأقل أحوال النائم المستثقل أن يدخله الشك في الوضوء ؛ فلا يجوز له أن يستفتح الصلاة بغير وضوء مستيقن ".
ولا يعترض على هذا الحديث بالإمام عاصم بن أبي النجود فقد قال فيه شمس الدين بن عبد الهادي الحنبلي : (
روى له البخاري ومسلم مقرونا بغيره ، ووثقه الإمام أحمد ، وأبو زرعة ، ومحمد بن سعد ، وأحمد بن عبد الله العجلي وغيرهم ، وكان صاحب سنة وقراءة للقرآن ، وقال ابن معين : لا بأس به ، وقال أبو حاتم : محله الصدق لم يكن بذاك الحافظ ، وقال النسائي : ليس به بأس ، وقال ابن خراش : في حديثه نكارة ، وقال العقيلي : لم يكن فيه إلا سوء الحفظ ، وقال الدارقطني : في حفظه شيء ).
قلت :
فأقل ما يمكن أن يقال عن حديثه إنه حسن.
ولكن الاستدلال بهذا الحديث يسقط من ناحية أخرى وهي أن غاية ما فيه الاستدلال بدلالة الاقتران ، وهي ضعيفة عند الأصوليين كما هو معروف.والله تعالى أعلم.
الدليل الثالث : حديث
علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ "
قال
ابن قدامة رحمه الله تعالى : "
ولنا عموم الحديثين الأولين – يقصد حديث صفوان وعلي رضي الله تعالى عنهما - وإنما خصصناهما في اليسير لحديث أنس وليس فيه بيان كثرة ولا قلة ؛ فإن النائم يخفق رأسه من يسير النوم ؛ فهو يقين في اليسير ؛ فيعمل به ، وما زاد عليه فهو محتمل ؛ لا يترك له العموم المتيقن "
وضعف حديث علي هذا من وجهين :
الوجه الأول :
أن فيه بقية بن الوليد وقد عنعنه.
قلت :
وكلام العلماء في بقية كثير ؛ فبعضهم ضعفه ، والبعض وثقه ، ولعل أعدل الأقوال فيه أنه صدوق في نفسه ، لكنه مشهور بالتدليس مكثر له عن الضعفاء ؛ فتقبل أحاديثه إذا صرح بالتحديث عن الثقات. والله تعالى أعلم.
الوجه الثاني : أن فيه الوضين بن عطاء وهو ضعيف.
ومع ذلك فقد قال
النووي رحمه الله تعالى : (
وهو حديث حسن ).
وقال
ابن حجر رحمه الله تعالى : (
وحسن المنذري ، وابن الصلاح ، والنووي حديث علي ، وقال الحاكم في علوم الحديث :لم يقل فيه : "ومن نام فليتوضأ" غير إبراهيم بن موسى الرازي ، وهو ثقة كذا قال ).
قلت :
وتحسين هؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالى لهذا الحديث غريب جدا ؛ وقد قدمنا الكلام على بقية بن الوليد والوضين بن عطاء .
أما بقية فإنه وإن وثقه بعض العلماء إلا أنه مدلس مشهور بذلك ، وقد عنعن هذا الحديث.
وأما الوضين بن عطاء ، فإن من جمع كلام أهل العلم فيه يتضح له أن فيه ضعفا. فاجتمعت علتان في هذا الحديث كل واحدة منهما تكفي للحكم عليه بالضعف.
وهناك علة ثالثة ، وهي أن عبد الرحمن بن عائذ راوي الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وإن كان ثقة بلا شك ؛ إلا أن أبا زرعة قال : إنه لم يسمع من علي.
وتعقبه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وقال إن نفيه هذا فيه نظر ؛ لأن عبد الرحمن بن عائذ يروي عن عمر كما جزم بذلك البخاري .
قلت :
وروايته عن عمر لا تستلزم سماعه من علي ، كما هو واضح ؛ اللهم إلا أن يكون قصده أنه أدرك عمر ؛ فيكون أدرك عليا لا محالة.والله تعالى أعلم.
لكن هذا الحديث روي من طريق أخرى عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ : "
العينان وكاء السه ؛ فإذا نامت العين استطلق الوكاء ".
وضعفه ابن حزم رحمه الله تعالى بأنه من طريق بقية وهو ضعيف ، عن أبي بكر بن أبي مريم وهو مذكور بالكذب ، عن عطية بن قيس وهو مجهول.
قلت :
وكل هذه الأدلة التي ذكرها أصحاب هذا القول على تسليم الاحتجاج بها ؛ فإنها لا تصح دليلا على قولهم ؛ لأنه ليس فيها تفريق بين ثقيل وخفيف ، أو قليل وكثير ؛ وأولى أن يحتج بها من جعل النوم ناقضا للوضوء بصفة مطلقة.والله تعالى أعلم.
الدليل الرابع :
أنه مع الاستثقال يغلب خروج الخارج ؛ بخلاف النوم الخفيف.
واعترض الإمام
النووي على هذا فقال : (
وأما المعنى الذي ذكروه ؛ فلا نسلمه ؛ لأن النوم إما أن يجعل حدثا في عينه كالإغماء ، وهم لا يقولون به ، وإما دليلا على الخارج ، وحينئذ إنما تظهر دلالته إذا لم يكن المحل ممكنا ، وأما المتمكن فيبعد خروجه منه ولا يحس به ؛ فلا ينتقض بالوهم ).
أدلة القول الثاني :
الدليل الأول : حديث
علي رضي الله عنه : (
العينان وكاء السه ؛ فمن نام فليتوضأ ).
وسبق الكلام عليه بما فيه الكفاية.
الدليل الثاني : حديث
صفوان : (
لكن من غائط ، أو بول ، أو نوم ).
وسبق الاعتراض عليه بأن دلالة الاقتران ضعيفة.
الدليل الثالث : حديث
أنس أنهم كانوا ينامون فتخفق رؤوسهم.
وحملوه على أنهم كانوا ينامون جلوسا منتظرين للصلاة .
قلت :
وتقدم الاعتراض عليه بأنه فعل صحابي لا تقوم به الحجة ، وتقدم أيضا الجواب عن هذا الاعتراض .والله تعالى أعلم.
الدليل الرابع : حديث
أنس رضي الله عنه قال
أقيمت صلاة العشاء ؛ فقال رجل لي حاجة ؛ فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه حتى نام القوم ، أو بعض القوم ، ثم صلوا ، وفي رواية
حتى نام أصحابه ، ثم جاء فصلى بهم.
وحمله أصحاب هذا القول على ما حملوا عليه الحديث المتقدم.
الدليل الخامس : حديث
ابن عمر رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل ليلة عن العشاء فأخرها حتى رقدنا في المسجد ، ثم استيقظنا ، ثم خرج علينا.
الدليل السادس : حديث
ابن عباس رضي الله عنهما قال : (
أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء ، حتى رقد الناس ، واستيقظوا ، ورقدوا ، واستيقظوا ).
قال
النووي : (
وظاهرهما أنهم صلوا بذلك الوضوء ).
قلت :
وهذه الأدلة ينطبق عليها ما تقدم من أنها لم يذكر فيها تفريق بين الممكن مقعده ، وغير الممكن ، فالأولى أن يحتج بها أصحاب القول الخامس.والله تعالى أعلم وأحكم.
الدليل السابع :
أن النائم غير الممكن يخرج منه الريح غالبا ؛ فأقام الشرع هذا الظاهر مقام اليقين ، كما أقام شهادة الشاهدين التي تفيد الظن مقام اليقين في شغل الذمة.
قلت :
وهو قياس مردود ؛ لأنه في مقابلة النصوص الكثيرة الصحيحة الصريحة ، فلا يلتفت إليه. والله تعالى أعلم.
أدلة القول الثالث :
الدليل الأول : حديث
عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
لا وضوء على من نام قائما أو راكعا أو ساجدا ، إنما الوضوء على من نام مضطجعا ؛ فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله ).
قال
السرخسي : (
وهو المعنى ، فإن الاستمساك باق مع النوم في هذه الأحوال ؛ بدليل أنه لم يسقط ، وبقاء الاستمساك يؤمنه من خروج شيء منه ؛ فهو كالقاعد بخلاف المضطجع).
قلت :
هذا الحديث فيه ألفاظ منكرة ، وباقي ألفاظه معلول .
قال أبو داود : (
قوله الوضوء على من نام مضطجعا هو حديث منكر ، لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة ، وروى أوله جماعة عن ابن عباس ، ولم يذكروا شيئا من هذا ، وقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظا ، وقالت عائشة رضي الله عنها : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "تنام عيناي ولا ينام قلبي" وقال شعبة : إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث : حديث يونس بن متى ، وحديث ابن عمر في الصلاة ، وحديث القضاة ثلاثة ، وحديث ابن عباس : حدثني رجال مرضيون منهم عمر ، وأرضاهم عندي عمر ، قال أبو داود : وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاما له ، وقال ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ، ولم يعبأ بالحديث ).
قلت :
ويزيد الدالاني لا يحتج بحديثه ، فكيف ومعه عنعنة قتادة رحمه الله تعالى ؛ فقد كان مدلسا معروفا بذلك ، وقد عنعن عن أبي العالية ، وصرح شعبة بأن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا أربعة أحاديث ليس هذا الحديث منها.
ضف إلى ذلك أن البخاري ذكر أن أبا خالد لا يعرف له سماع من قتادة ؛ فسقط الاستدلال بهذا الحديث جملة وتفصيلا. والله تعالى أعلم.
الدليل الثاني : حديث : (
إذا نام العبد في سجوده يباهي الله تعالى به ملائكته ؛ فيقول انظروا إلى عبدي ، روحه عندي ، وجسده في طاعتي ).
قال
الكاساني : (
ولو كان النوم في الصلاة حدثا لما كان جسده في طاعة الله تعالى ).
واعترض عليه
ابن حزم من وجهين :
الوجه الأول : أنه مرسل لم يخبر الحسن ممن سمعه.
الوجه الثاني : أنه لو صح لم يكن فيه إسقاط الوضوء عنه.
قلت :
وهو كما قال رحمه الله تعالى ؛ فإن استدلال الحنفيين بقول الحسن البصري رحمه الله تعالى في مثل هذا لمن الغرائب ؛ لأن قول الصحابي إذا لم يكن مرفوعا أو كان له حكم الرفع ؛ فإنه لا يعتبر دليلا ؛ فما بالك بغيره.
وكل الروايات التي روي فيها رفع هذا الحديث اتفق الحفاظ على تضعيفها ؛ فقد رواه البيهقي عن أنس ، وقال ليس إسناده بالقوي ، ورواه الدارقطني في علله من رواية الحسن عن أبي هريرة ، وقال : لا يثبت سماع الحسن من أبي هريرة ، ورواه ابن شاهين من رواية عطية عن أبي سعيد ، وعطية تالف.
أدلة القول الرابع :
الدليل الأول : قوله تعالى : (
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ).
فقد ذكر سبحانه نواقض الوضوء ولم يذكر النوم.
واعترض الاستدلال بهذه الآية من وجهين :
الوجه الأول : أن جماعة من المفسرين قالوا : وردت الآية في النوم أي إذا قمتم إلى الصلاة من النوم فاغسلوا وجوهكم.
قال
النووي : (
.. وكذا حكاه الشافعي في الأم عن بعض أهل العلم بالقرآن ، قال : ولا أراه إلا كما قال ).
الوجه الثاني : أن الآية ذكر فيها بعض النواقض ، وبينت السنة الباقي ، ولهذا لم يذكر البول ، وهو حدث بالإجماع.
الدليل الثاني : حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه :
لا وضوء إلا من صوت أو ريح.
قال
البيهقي :
هذا حديث ثابت قد اتفق الشيخان على إخراج معناه من حديث عبد الله بن زيد.
قلت : في هذا الحديث علة دقيقة بينها ابن أبي حاتم فقال : (
سمعت أبي وذكر حديث شعبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا : "لا وضوء إلا من صوت أو ريح" فقال أبي : هذا وهم ، اختصر شعبة متن الحديث ؛ فقال : لا وضوء إلا من صوت أو ريح ، ورواه أصحاب سهيل بلفظ : "
إذا كان أحدكم في الصلاة ؛ فوجد ريحا من نفسه ؛ فلا يخرج حتى يسمع صوتا ، أو يجد ريحا" ).
فاتضح بهذا أنه لا دليل فيه على أن النوم ليس بناقض.
واعترض الاستدلال بهذا الحديث من حيث المعنى : بأنه ورد في دفع الشك لا في بيان أعيان الأحداث وحصرها ، ولهذا لم يذكر فيه البول ، والغائط ، وزوال العقل ، وهي أحداث بالإجماع.
الدليل الثالث : حديث
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ميمونة فنام عندها حتى سمعنا غطيطه ، ثم صلى ولم يتوضأ.
واعترض عليه
ابن حزم رحمه الله تعالى فقال : (
وهذا لا حجة لهم فيه ؛ لأن عائشة رضي الله عنها ذكرت أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتنام قبل أن توتر قال : "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي" فصح أنه عليه السلام بخلاف الناس في ذلك ، وصح أن نوم القلب الموجود من كل من دونه هو النوم الموجب للوضوء ؛ فسقط هذا القول ولله الحمد )
قلت :
ولا شك أن قوله صلى الله عليه وسلم : "إن عيناي" يدل دلالة واضحة لا لبس فيها على أن ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ، فلا يصلح دليلا في محل النزاع. والله تعالى أعلم.
الدليل الرابع : حديث : (
إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإنه لعله يذهب يستغفر ربه فيسب نفسه )
الدليل الخامس : حديث
أنس : (
إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يدري ما يقرأ )
واعترض
ابن حزم على الاستدلال بهذين الحديثين فقال : (
هذان صحيحان ، وهما حجة لنا ؛ لأن فيهما أن الناعس لا يدري ما يقرأ ، ولا ما يقول ، والنهي عن الصلاة على تلك الحال جملة ؛ فإذ الناعس لا يدري ما يقول فهو في حال ذهاب العقل بلا شك ، ولا يختلفون أن من ذهب عقله بطلت طهارته ؛ فيلزمهم أن يكون النوم كذلك ).
الدليل السادس : حديث
شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا يقول :
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ، ثم يصلون ولا يتوضؤون.
فقلت لقتادة : سمعته من أنس ، قال : إي والله.
قال العلامة
الصنعاني رحمه الله تعالى : (
ولما كان مطلق ورود حديث أنس بنوم الصحابة ، وأنهم كانوا لا يتوضؤون ، ولو غطوا غطيطا ، وبأنهم كانوا يضعون جنوبهم ، وبأنهم كانوا يوقظون ، والأصل جلالة قدرهم ، وأنهم لا يجهلون ما ينقض الوضوء ؛ سيما وقد حكاه أنس عن الصحابة مطلقا ، ومعلوم أن فيهم العلماء العارفين بأمور الدين ، خصوصا الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام ، وسيما الذين كانوا منهم ينتظرون الصلاة معه صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فإنهم أعيان الصحابة ، وإذا كانوا كذلك ، فيقيد مطلق حديث صفوان بالنوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك ، ويؤول ما ذكره أنس من الغطيط ، ووضع الجنوب ، والإيقاظ ؛ بعدم الاستغراق ؛ فقد يغط من هو في مبادئ نومه قبل استغراقه.
ووضع الجنب لا يستلزم الاستغراق ؛ فقد كان صلى الله عليه وله وسلم يضع جنبه بعد ركعتي الفجر ولا ينام ؛ فإنه كان يقوم لصلاة الفجر بعد وضع جنبه ، وإن كان قيل إنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه لا ينقض نومه وضوءه ؛ فعدم ملازمة النوم لوضع الجنب معلومة ، والإيقاظ قد يكون لمن هو في مبادئ النوم ؛ فينبه لئلا يستغرقه النوم ).
الدليل السابع :
أن النوم ليس حدثا في نفسه بالإجماع ، والمخالفون أوجبوا الوضوء لاحتمال خروج الريح ، والأصل عدمه ؛ فلا يجب الوضوء بالشك.
واعترض : بأن الشرع قد جعل الظاهر كاليقين كما جعل شهادة شاهدين كاليقين.
أدلة القول الخامس :
الدليل الأول : عموم حديثي
علي وصفوان رضي الله عنهما.
قال
ابن حزم تعليقا على حديث صفوان بن عسال : (
فعم عليه السلام كل نوم ، ولم يخص قليله من كثيره ، ولا حالا من حال ، وسوى بينه وبين الغائط والبول ).
واعترضا بأنهما محمولين على نوم غير الممكن ، جمعا بين الأحاديث الصحيحة.
الدليل الثاني : القياس على الإغماء.
واعترض :
بأنه قياس مع الفارق ؛ فإن المغمى عليه ذاهب العقل لا يحس بشيء أصلا ، والنائم يحس ، ولهذا إذا صيح به تنبه.
أدلة القول السادس :
الدليل الأول : حديث ا
بن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
إنما الوضوء على من نام مضطجعا ؛ فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله ). ( )
واعترض عليه
النووي فقال : (
حديث ضعيف باتفاق أهل الحديث ، وممن صرح بضعفه من المتقدمين : أحمد بن حنبل ، والبخاري ، وأبو داود ، قال أبو داود : وحديث إبراهيم الحربي هو حديث منكر ، ونقل إمام الحرمين في كتابه الأساليب إجماع أهل الحديث على ضعفه ، وهو كما قال ، والضعف عليه بين ، وأجاب أصحابنا عنه بأجوبة ، وتأولوه تأويلات لا حاجة إليها مع الاتفاق على ضعفه ؛ فإنه لا يلزم الجواب عما ليس بدليل ).
قلت :
وهو كما قال رحمه الله تعالى ؛ فإن الحديث إذا كان ضعيفا ؛ فإنه لا يحتاج إلى أن يجاب عنه ؛ بل يكفي تبيين ضعفه ، وتوضيح السبب الذي من أجله ضعف ؛ فإذا ثبت بالدليل القطعي ضعفه فإنه يسقط الاستدلال به في الأحكام بالاتفاق .
أما في فضائل الأعمال ؛ فإنه جوز بعض أهل العلم العمل به فيها ، ولكن بشروط وضوابط . والله تعالى أعلم.
الدليل الثاني : حديث
حذيفة :
أنه نام جالسا فقال : يا رسول الله أمن هذا وضوء ؟ قال : لا حتى تضع جنبك على الأرض.
واعترض من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن معناه أنه نام غير ممكن مقعده من الأرض ؛ فأشبه المضطجع .
الوجه الثاني : قال
النووي : (
... ولأننا اتفقنا نحن وهم على أن النوم ليس حدثا في عينه ، وإنما هو دليل للخارج ؛ فضبطناه نحن بضابط صحيح جاءت به السنة ، ومناسبته ظاهرة ، وضبطوه بما لا أصل له ولا معنى يقتضيه ؛ فإن الساجد والراكع كالمضطجع ، ولا فرق بينهما في خروج الخارج ).
الوجه الثالث : أنه
ضعيف.
قلت :
ويكفي من كل هذه التأويلات توضيح ضعفه كما قدمنا.
واتضاح ضعفه بين ؛ لأن فيه بحر بن كنيز السقاء ، قال يحيى بن معين : ليس بشيء كل الناس أحب إلي منه ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال البيهقي : ضعيف لا يحتج بحديثه.
الترجيح :
الراجح عندي في هذه المسألة هو قول المالكية والحنابلة ، ولعله أقرب الأقوال إلى الحق ، وأجمعها للأدلة ؛ لأن كل الأقوال الأخرى إما أن أدلتها ضعفت ، أو أجيب عنها ، ما عدا قول ابن حزم ومن وافقه من أن النوم ينقض الوضوء مطلقا ، وهو قول لا يخفى على فطن قوة أدلته ، وصحتها ، وصراحتها في الدلالة ، ولولا حديث أنس أن الصحابة كانوا ينامون ، وفي بعض رواياته يغطون غطيطا ، ثم يصلون بذلك الوضوء ؛ لكان هذا القول هو أرجح الأقوال .والله تعالى أعلم.