ما أقوال الفقهاء في وجوب قضاء الصلوات الفائتة ؟
و
ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "
مَن حجَّ هذا البيتَ، فلم يَرفُثْ، ولم يَفسُقْ، رجَع كيومَ ولدَتْه أمُّه "؟
و
هل يمحو الحج الذنوب كلها ، ومنها الصلوات الفائتة؟
قضاء الصلوات الفائتة من زمن طويل:اقوال واراء اهل العلم بالادلة:
اولا:
الصلاة لها مكانة عظيمة في الإسلام، فهي الركن الثاني بعد الشهادتين، وهي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة فإن كانت مؤداة على الوجه المطلوب شرعاً فاز صاحبها وأفلح، وإن ضيعها خاب وخسر.
والذي عليه جمهور أهل العلم وجوب قضاء الصلوات الفوائت سواء فاتت عمداً أو نسياناً ، فيجب على المسلم المبادرة إلى قضائها فوراً ويواصل القضاء حتى يغلب على ظنه براءة ذمته. قال
ابن قدامة في
المغني:
"
قال أحمد في رواية صالح في الرجل يضيع الصلاة يعيد حتى لا يشك أنه قد جاء بما ضيع ويقتصر على قضاء الفرائض ولا يصلي بينها نوافل ولا سننها".
وقال أيضاً:"
إذا كثرت الفوائت عليه ، يتشاغل بالقضاء ما لم يلحقه مشقة في بدنه أو ماله، أما في بدنه فأن يضعف أو يخاف المرض، وأما في المال فأن ينقطع عن التصرف في ماله بحيث ينقطع عن معاشه أو يستضر بذلك، وقد نص أحمد على معنى هذا". انتهى.
وقال
المواق في
التاج والإكليل:
ابن العربي توبة من فرط في صلاته أن يقضيها ولا يجعل مع كل صلاة ولا يقطع النوافل لأجلها وإنما يشتغل بها ليلاً ونهاراً ويقدمها على فضول معاشه وأخبار دنياه ولا يقدم عليها شيئاً إلا ضرورة المعاش". انتهى.
إن وجوب قضاء الصلاة على من فاتته متعمدا قد اختلف فيه العلماء:
فذهب
الجمهور إلى أن ذلك
واجب،
لأنه إذا وجب القضاء على من فاتته لأجل النسيان أو النوم كان قضاؤها أولى فيمن تركها متعمدا، و
إنما يختلف صاحب العذر عن غيره في عدم الإثم.
قال الحافظ
ابن حجر عند كلامه على حديث البخاري وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"
من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك". "
وأقم الصلاة لذكري". قال: "
وقد تمسك بدليل الخطاب منه القائل (أن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي. والشرط هنا النسيان، والمشروط الصلاة، والمراد قضاؤها). وقال: " من قال يقضي العامد بأن ذلك مستفاد من مفهوم الخطاب، فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناسي مع سقوط الإثم والحرج عنه فالعامد أولى". انتهى.
ومن كلامه هذا يتبين لك أن حجة الفريقين الأساسية هذا الحديث، فكل منهما قد فهم منه ما ذهب إليه، ولا شك أن مذهب الجمهور أحوط ولا سيما مع عدم وجود دليل نص في المسألة عند من خالفهم.
0]]فالصلاة الفائتة في الذمة ، يجب قضاؤها، ولا إشكال فيها، فإن كانت معروفة بعينها وعددها قضاها، وإلا فعليه أن يحتاط، فيصلي ما يغلب على الظن أنه تبرأ به ذمته.
أما الصلاة المتروكة عمداً، فجمهور العلماء على أن
حكمها كحكم المنسية ونحوها فيجب قضاؤها، وهذا هو قول الأئمة الأربعة.
وذهب
بعض أصحاب الشافعي إلى
أن الصلاة المتروكة عمداً لا يجب قضاؤها، ولا تقبل ولا تصح لأنها صليت في غير وقتها وكان تأخيرها عنه لغير عذر شرعي فلم تقبل.
وذهب كثير من أصحاب الإمام
أحمد و
ابن حزم وجماعة من السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم،
إلى أن تارك الصلاة عمداً كافر كفراً مخرجاً من الملة،
وإذا عاد إلى الإسلام، فهو غير مطالب بقضاء صلاة أو صوم، لأنه بمثابة داخل جديد في الإسلام[/b].
وعلى رأي الامام احمد والظاهرية ومن وافقهم :
فإن الراجح من أقوال أهل العلم أن
من يترك الصلاة بالكلية هو كافر مرتد عن الإسلام.وعليه، فإن تاب ورجع عليه أن يجدد إيمانه، ولا يلزمه قضاء ما فات من الصلوات.
وذهب الجمهور من اهل العلم :إلى
أنه غير كافر رغم إثمه الشديد، وإنما عليه التوبة الصادقة مع إعادة ما فرط فيه من صلوات على الفور حسب استطاعته في اي ساعة من ليل أو نهار، فإن كانت الفوائت كثيرة قضى في اليوم الواحد صلاة يومين على الأقل إلا إذا كان ذلك يؤخره عن كد لعياله، فيجوز الاقتصار على صلاة يوم.
قال
الدسوقي: " ف
الواجب حالة وسطى، فيكفي أن يقضي في اليوم الواحد صلاة يومين فأكثر، ولا يكفي قضاء يوم في يوم إلا إذا خشى ضياع عياله إن قضى أكثر من يوم". انتهى.
وقال
القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى:"
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي "
{طه: 14}."
فأما من ترك الصلاة متعمدا فالجمهور أيضا على وجوب القضاء عليه، وإن كان عاصيا. قال: " والفرق بين المتعمد والناسي والنائم حط المأثم، فالمتعمد مأثوم، والجميع قاضون، والحجة للجمهور قوله تعالى: "وأقيموا الصلاة" ولم يفرق بين أن يكون في وقتها أو بعدها، وهو أمر يقتضي الوجوب، وأيضا فقد ثبت الأمر بقضاء النائم والناسي مع أنهما غير مأثومين، فالعامد أولى". تنتهى
وقال
أبو محمد علي بن حزم : "
لا يقضي بل يكثر من فعل الخير وصلاة التطوع، فما هو الدليل الثابت على أن من ترك صلاة عمدا لزمه قضاءؤها".
والحاصل أن من ضيع صلوات كثيرة، فإنه تجب عليه المبادرة إلى قضائها فوراً، وليكن أقل ما يقضيه في اليوم الواحد صلاة يومين ما لم يكن ذلك يؤخره عن كسبه للنفقة على عياله.
ولتعلم ونعمل :
فإن الصلاة أعظم أركان هذا الدين بعد الشهادتين، لحديث جابر رضي الله عنه: "
إنَّ بين الرجلِ وبين الشِّركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ "
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم في صحيحه : 82 وقد
أجمع كل من يعتد بقوله أن من جحد وجوب الصلاة فإنه مرتد، لثبوت الأدلة القطعية في ذلك.
وأما
من تركها متكاسلاً بحيث لا يصليها مطلقاً، فجمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أنه يستتاب ثلاثة أيام كالمرتد، فإن تاب وإلا قتل.
و
يقتل عند
الحنابلة لكفره .
وعند
المالكية والشافعية حداً لا كفراً.
وفيه نظر، والقول الأول أقرب للصواب، لموافقته للأدلة الشرعية، مثل قوله صلى الله عليه وسلم "
ان بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة".
وفي حديث
بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
العَهْدُ الَّذي بينَنا وبينَهُمُ الصَّلاةُ ، فمَن ترَكَها فقد كفرَ"
الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي | المحدث : ابن القيم في الصلاة وحكم تاركها : 33 . إسناده على شرط مسلم . ويستوي في ذلك الحكم - عند بعض العلماء - من ترك صلاة واحدة أو أكثر للحديث الذي في الصحيح كما عند البخاري عن
بريدة بن الحصيب الأسلمي:: 553:
"
من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله"
والذي يحبط العمل إنما هو الشرك والكفر. لقوله تعالى: (
لئن أشركت ليحبطن عملك) [
الذمر:65]. وحيث كانت هذه أقوال أهل العلم في من ترك الصلاة متكاسلاً فإنه يجب على من وقع منه ذلك أن يجدد إيمانه، ولا قضاء عليه عند من يرى كفر تارك الصلاة إلا على جهة الاحتياط، والواجب عليه أن يتوب إلى الله من هذا الفعل، وأن يندم حق الندم حتى تتحقق توبته.
والقضاء على مذهب جمهور أهل العلم على مَن فرط في الصلوات إن كان عالماً بعدد الصلوات المتروكة.
وإن كان جاهلاً عددها فإنه يقضي ما يظن أنك بفعله يبرأ ذمته.
وصفة القضاء أن يصلي ما فاته من الصلوات على الفور حسب استطاعته في أي ساعة من ليل أو نهار، مع مراعاة الترتيب بين الفوائت، الفجر ثم الظهر ثم العصر الخ. خروجاً من الخلاف حيث إن بعض أهل العلم يري وجوب الترتيب بين الفوائت، وهذا القول - أي وجوب القضاء - أحوط وأسلم على كل حال.
وأما من تاب من الذنوب أو حج حجا مبرورا فإن توبته أو حجه لا يسقطان المطالبة بقضاء الصلاة عند القائلين بوجوب القضاء، لأنها من قبيل الحقوق لا من الذنوب، وإنما الذنب تأخيرها، فنفس التأخير يسقط بالحج المبرور."
مَن حجَّ هذا البيتَ، فلم يَرفُثْ، ولم يَفسُقْ، رجَع كيومَ ولدَتْه أمُّه ".
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري في صحيحه : 1819 ومعنى الحديثكما بين النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ
مَن حَجَّ للهِ فلَم يَرفُث، أي:
فلم يَفعَل شيئًا مِن الجِماعِ أو مُقدِّماتِه،
ولَم يَفسُق، أي:
ولَم يَرتكِب إثمًا أو مُخالَفةً شَرعيَّةً صغيرةً أو كبيرةً تُخرِجه عَن طاعةِ اللهِ تعالى،
رجَع كيومَ ولَدَتْه أُمُّه، أي:
عادَ بعدَ حَجِّه نَقيًّا مِن خَطاياهُ كما يَخرُج المولودُ مِن بطْنِ أُمِّه، أو كأنَّه خَرَجَ حينَئِذ مِن بَطنِ أُمِّه.