آية وسبب: القذف ؛ معناه ، حده ، شروطه وأحكامه والحكمة منهقال الحق سبحانه وتعالى:
"
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ( وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ"
سورة النور: 6- 9 فإذا رمى الرجل زوجته بالزنا -اتهمها بفاحشة الزنا - دون بينة فعليه أن يشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، ثم تسأل المرأة فإن أقرت رجمت، وإن أنكرت أمرت أن تشهد أربع شهادات بالله أن زوجها لمن الكاذبين فيما رماها به من الفاحشة، وفي الشهادة الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيم اتهمها به، فإذا فعلت سقط عنها الحد، وهو معنى قوله: (
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) إلخ.
والسبب في اختلافهم هذا اختلافهم في معنى قوله: (
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ) فإنهم
اختلفوا في تفسير العذاب على قولين، أحدهما :
حد القذف وبه قال
الشافعي ومن وافقه،
والثاني:
الحبس، وبه قالت
الحنفية.
ويعني بقوله: (
فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ) :
فحلف أحدهم أربع أيمان بالله، من قول القائل: أشهد بالله إنه لمن الصادقين فيما رمى زوجته به من الفاحشة.(وَالْخَامِسَةُ) يقول: والشهادة الخامسة، ( أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ ) يقول: إن لعنة الله له واجبة وعليه حالَّة، إن كان فيما رماها به من الفاحشة من الكاذبين. ما جاء في أسباب النزول:
حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا عباد، قال: سمعت عكرمة، عن
ابن عباس، قال: لما نـزلت هذه الآية: "
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"
قال
سعد بن عبادة:
لهكذا أنـزلت يا رسول الله؟ لو أتيتُ لَكَاع قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحرّكه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله ما كنت لآتيَ بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
يا مَعْشَرَ الأنْصَار أما تَسْمَعونَ إلى ما يَقُول سَيدُكُمْ؟ " قالوا:
لا تلمه فإنه رجل غَيُور، ما تزوّج فينا قطّ إلا عذراء ولا طلق امرأة له فاجترأ رجل منا أن يتزوّجها؛ قال سعد:
يا رسول الله، بأبي وأمي، والله إني لأعرف أنها من الله، وأنها حقّ، ولكن عجبت لو وجدت لَكَاعِ، قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، والله لا آتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته، فوالله ما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء
هلال بن أمية من حديقة له فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فأمسك حتى أصبح، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جالس مع أصحابه، فقال:
يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء، فوجدت رجلا مع أهلي، رأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به وثقل عليه جدا، حتى عُرف ذلك في وجهه، فقال هلال: والله يا رسول الله إني لأرى الكراهة في وجهك مما أتيتك به، والله يعلم أني صادق، وم
ا قلت إلا حقا، فإني لأرجو أن يجعل الله فرجا، قال: واجتمعت الأنصار، فقالوا: ابتلينا بما قال سعد، أيجلد هلال بن أميَّة، وتبطل شهادته في المسلمين؟ فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربه، فإنه لكذلك يريد أن يأمر بضربه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه، إذ نـزل عليه الوحي، فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نـزل حتى فرغ، فأنـزل الله: "
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ "... إلى: "
أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
أبْشِرْ يا هِلالُ، فإنَّ الله قدْ جَعَل فَرَجا " فقال:
قد كنت أرجو ذلك من الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
أرْسِلُوا إلَيْها!" فجاءت، فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها، فكذّبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
إنَّ اللهَ يَعْلَمُ أنَّ أحَدَكما كاذب، فَهَل مِنْكُما تائب؟ " فقال هلال:
يا رسول الله، بأبي وأمي لقد صدقتُ، وما قلت إلا حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
لاعِنُوا بَيْنَهُما!" قيل لهلال:
يا هلال اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فقيل له عند الخامسة:
يا هلال اتق الله، فإن عذاب الله أشدّ من عذاب الناس، إنها الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال هلال:
والله لا يعذّبني الله عليها، كما لم يجلدني عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد الخامسة: (
أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) ثم قيل لها:
اشهدي،
فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، فقيل لها عند الخامسة:
اتقي الله، فإن عذاب الله أشدّ من عذاب الناس، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة، ثم قالت:
والله لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة:"
أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ " ،
ففرّق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وقضى أن الولد لها،
ولا يُدعى لأب،
ولا يُرْمى ولدها.
وجاء ايضا:
أن
هلال بن أمية رضي الله عنه
اتهم زوجته بـ شريك بن سحماء، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"
إما أن تقيم عليها البينة أو أقيم عليك حد القذف في ظهرك" ، فقال متعجباً: "
إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً يذهب يلتمس البينة " أي كيف أكلف بالبينة وأنا لا يمكنني ذلك، لأنني متى ذهبت لاحضار الشهود فرَّ الرجل من البيت " فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :"
البينة " بالنصب أي أحضر البينة، أو الرفع على تقدير إما البينة "
أو حدّ في ظهرك " يعني أو جزاؤك الحد في ظهرك، " فقال هلال:"
والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد " ، أي ما يخلصني منه "فنزل جبريل وأنزل عليه "
...وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ..." .
وعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:
أنَّ
هِلالَ بْنَ أمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأتَهُ عِنْد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -
بِشرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ا
لبَيِّنةُ أوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ" فَقَالَ:
يا رَسُولَ اللهِ إِذَا رَأى أحَدُنَا على امْرَأتِهِ رَجُلاً يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ البَيِّنةَ، فَجعلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولُ:
"
البَيِّنةُ وِإلَّا حَدّ في ظَهْرِكَ " فَقالَ هِلال:
والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ إني لَصَادِق، فَلَيُنْزِلَنَّ اللهُ مَا يُبَرِّىءُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فنزَلَ جِبْرِيلُ، وأنْزَلَ عَلَيهِ (
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) فَقَرأ حَتى بَلَغَ (
إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فانْصَرَفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسَلَ إليْهَا، فجاءَ هِلال فَشَهِدَ والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "
إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ أنَّ أحدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ "، ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فلمَّا كَانَتْ عِنْدَ الخَامِسَةِ، وقَّفُوهَا وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَة، قَالَ
ابنُ عَبَّاسٍ:
فَتَلَكَّأت ونكَصَتْ حتى ظَنَنَّا أنَّهَا تَرْجِعُ، ثم قَالَتْ:
لا أفضَحُ قَوْمِي سَائِرَ اليَومِ، فَمَضَتْ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"
أبصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أكحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابغَ الألْيَتَيْنِ خدَلَّجَ السَّاقَينِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بنِ سَحْمَاءَ " فجاءَتْ به كَذَلِكَ، فقَالَ النَّبِيُ - صلى الله عليه وسلم -: "
لَوْلا مَا مَضى مِنْ كِتَابِ اللهِ لَكَانَ لِي ولَهَا شَأنٌ ".
شرح الاية وأحكام الملاعنة: (
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ . وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) "
فلما نزلت
آيات الملاعنة أحضرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - (
هلال بن أمية و
خولة بنت عاصم ) ووعظهما قبل إجراء الملاعنة، وحذرهما من غضب الله تعالى على من كان منهما كاذباً، وأخبرهما أن الله مطلع عليهما، عالم بالكاذب منهما، وسيجازيه على ذلك وعذاب الدنيا أهون من عذاب يوم القيامة، ولكنهما أصرا على موقفهما، فتقدم
هلال، فشهد وقال في الخامسة، فشهد وقال في الخامسة:"
أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين"، ثم قامت زوجته فشهدت. "
فلما كانت عند الخامسة أوقفوها " أي
أوقفوها عن النطق بهذه الشهادة " وقالوا:
إنها موجبة " أي
احذري أن تؤدي الشهادة الخامسة وأنت كاذبة، فإنها موجبة للعذاب الشديد يوم القيامة "
فتلكأت " أي
توقفت وترددت وتأخرت بعض الوقت في أدائها "
ونكصت " أي رجعت إلى الوراء والمعنى أنها سكتت مدة من الزمن قبل أن تنطق بالشهادة الخامسة
"
حتى ظننا أنها سترجع "
يعني عن إتمام الملاعنة، وتعترف بجريمتها " ثم قالت:"
لا أفضح قومي سائر اليوم " أي
لا أجلب الفضيحة والخزي والعار لقومي مدى الحياة "
فمضت " أي
فاستمرت وأتمت الملاعنة حرصاً منها على سمعة قومها " فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"
أبصروها " أي
انظروا إلى ولدها وتأملوا في صورة وجهه وجسمه "
فإن جاءت به أكحل العينين " يعني
أسود الجفون ، "
سابغ الأليتين " بفتح الهمزة أي
ضخم الأليتين ، "
خدلّج الساقين " أي
عظيم الساقين "
فهو لشريك بن سحماء " أي فهو ابنه " فجاءت به كذلك " أي ولدت ولداً يشبه شريكاً في الصفات المذكورة " فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "
لولا ما مضى من كتاب الله تعالى لكان لي ولها شأن " أي
لولا ما سبق من حكم الله تعالى بدرء الحد عن المرأة بلعانها، أي لأقمت الحد عليها .
قال
النووي:
اختلفوا في نزول آية اللعان هل هو بسبب عويمر أم بسبب هلال، والأكثرون على أنها نزلت في هلال ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعاً.
فقه الحديث:
دل هذا الحديث على ما يأتي:
أولاً:
بيان سبب نزول آيات الملاعنة وتفسيرها تفسيراً عملياً، فإن هذه الآيات نزلت في قصة
هلال بن أمية وزوجته على الأصح كما رجحه
النووي، ولما نزلت طبق النبي - صلى الله عليه وسلم - الملاعنة المذكورة في الآية عليهما تطبيقاً عملياً كما في الحديث.
ثانياً: دل الحديث على
أن القذف بالزنا من الكبائر، وأن من قذف زوجته بذلك لزمه أحد أمرين، إما البينة وهي أربعة شهداء كما ذكر، أو اللعان، فإن عجز عن إقامة البينة، وامتنع عن اللعان، حُدَّ حَدَّ القذف ثمانين جلدة، وحكم بفسقه، ورد شهادته، وهذا هو مذهب
مالك و
الشافعي و
أحمد و
الجمهور، للحديث المذكور، ولعموم قوله تعالى: "
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"
وقال
أبو حنيفة:
"
إن عجز عن البينة لزمه اللعان فإن لم يلاعن حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحدُّ للقذف، وإذا امتنعت المرأة عن الملاعنة أقيم عليها حد الزنا وهو قول مالك والشافعي ، وذهب أحمد وأبو حنيفة إلى أنها تحبس حتى تلاعن أو تقرّ بالزنا فتحد.
أما الأحكام التي تترتب عليها بعد الملاعنة فهي كما يلي:
(أ) يفرّق بينهما فرقة مؤبدة، ويفسخ نكاحهما فسخاً يقتضي التحريم كالرضاع عند مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف-تلميذ ابي حنيفة -، فلا تحل له أبداً، لما جاء في حديث سهل " فمضت السنة بعدُ في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبداً " أخرجه أبو داود والبيهقي والدارقطني، فلا يجتمعان ولو أكذب أحدهما نفسه. وقال
أبو حنيفة:
"
الفرقة الناشئة عن اللعان طلاق بائن لا يتأبد بها التحريم، وإن أكذب نفسه جاز له تزوجها. لما جاء في حديث عويمر أنه قال بعد الملاعنة: "
كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "
وتمام الحديث للفائدة:
"
أرأيت ، يا عاصمُ ! لو أنَّ رجلًا وجد مع امرأتِه رجلًا . أيقتلُه فتقتلونَه ؟ أم كيف يفعلُ ؟ فسل لي عن ذلك ، يا عاصمُ ! رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فسأل عاصمٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فكره رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المسائلَ وعابَها . حتى كبُرَ على عاصمٍ ما سمع من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فلما رجع عاصمٌ إلى أهلِه جاءَه عويمرٌ فقال : يا عاصمُ ! ماذا قال لك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ قال عاصمٌ لعويمرَ : لم تأتني بخيرٍ . قد كره رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المسألةَ التي سألتَه عنها . قال عويمرٌ : واللهِ ! لا أنتهي حتى أسألَه عنها . فأقبل عويمرٌ حتى أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وسط الناسِ . فقال : يا رسولَ اللهِ ! أرأيتَ رجلًا وجد مع امرأتِه رجلًا ، أيقتلُه فتقتلونَه ؟ أم كيف يفعلُ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ " قد نزل فيكَ وفي صاحبتِكَ فاذهب فأتِ بها " . قال سهل : فتلاعنا ، وأنا مع الناسِ ، عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فلما فرغا قال عويمرٌ : كذبتُ عليها ، يا رسولَ اللهِ ! إن أمسكتُها . فطلقها ثلاثًا ، قبل أن يأمُرَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . قال ابنُ شهابٍ : فكانت سنةَ المتلاعنينَ . وفي روايةٍ : وكان فراقُه إياها ، بعد ، سنةٍ في المتلاعنين . وزاد فيه : قال سهلٌ : فكانت حاملًا . فكان ابنها يدعى إلى أمِّهِ . ثم جرت السُّنَّةُ أن يَرِثَها وترثُ منه ما فرض اللهُ لها .
الراوي : سهل بن سعد الساعدي | المحدث : مسلم في صحيحه: 1492 وأجاب
أبو حنيفة عن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث سهل "
لا يجتمعان أبداً " بأن معناه
لا يجتمعان ما داما على لعانهما، فإن أكذب الرجل نفسه جازت له زوجته.
وحاصل الخلاف أن
مالك والشافعي وأحمد في رواية
يرون أن اللعان يستوجب الفسخ والفرقة الأبدية بين الزوجين بنفس اللعان، إما بعد فراغ الرجل من شهادته كما يقول
الشافعي،
أو بعد فراغ المرأة من شهادتها كما يقول
مالك أما
أبو حنيفة فإنه
يرى أن اللعان يستوجب الطلاق البائن، ولا يتم الطلاق إلّا إذا أوقعه الزوج على نفسه، أو أوقعه الحاكم عليه نيابة عنه.
(ب)
أن الولد إذا نفاه الزوج ألحق بأمه، ونسسب إليها، وانقطع نسبه بأبيه وميراثه منه، واقتصرت علاقته على أمّه فيرثها وترثه، وبه قال
مالك ومن وافقه من أهل العلم
والدليل على انقطاع نسب الولد من أبيه وإلحاقه بأمّه حديث
ابن عمر أن رجلاً لاعن امرأته في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وانتفى من ولدها ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بينهما، وألحق الولد بالمرأة.
أخرجه البخاري : 6748 والحديث بتمامه كما عند البخاري : 5312 ، من حديث
عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -:
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: حِسابُكما على اللهِ، أحدُكما كاذبٌ، لا سبيلَ لك عليها . قال: مالي؟ قال: لا مالَ لك ، إن كنتَ صدقتَ عليها فهو بما استحللتَ من فرجِها، وإن كنتَ كذبتَ عليها فذلك أبعدُ لك. وقال أيوبُ: سمعتُ سعيدَ بنَ جبيرٍ قال: قلتُ لابنِ عمرَ: رجلٌ لاعن امرأتَه ، فقال بإصْبَعَيْه - وفَرَّقَ سُفيانُ بين إصْبَعَيْه ، السبابةِ والوسطى - فرَّقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين أخويْ بني العجلانِ، وقال: اللهُ يعلمُ أن أحدَكما كاذبٌ ، فهل منكما من تائبٍ ثلاثَ مراتٍ.
وإنما يؤثر اللعان في رفع حد القذف، وثبوت زنا المرأة فله أن يعتمد اللعان لانتفائه .
وذهب
الحنابلة إلى
أن الولد يلحق بأمّه ولو لم ينفيه الزوج لما جاء في حديث سهل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "
قضى أن لا يدعى ولدها لأب " ولم يذكر فيه أن الزوج قد نفاه، وأجيب عن ذلك بما جاء في بعض الروايات من حديث سهل "
أنها كانت حاملاً فأنكر حملها " أخرجه البخاري.
ثالثاً:
بيان ألفاظ الملاعنة وكيفيتها
أن يبدأ الإِمام بالزوج فيقيمه، ويقول له: قل أربع مرات أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا، ويشير إليها إن كانت حاضرة، ولا يحتاج مع الحضور إلى تسميتها، وإن كانت غائبة أسماها ونسبها، فقال: امرأتي فلانة بنت فلان،
فإذا شهد أربع مرات أوقفه الحاكم، وقال له: اتق الله فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وكل شيء أهون من لعنة الله، ويأمر رجلاً يضع يده على فيه قبل الخامسة حتى لا يبادر بالخامسة، فإذا رآه يمضي في ذلك قال له قل: إن لعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا،
ثم يأمر المرأة بالقيام، ويقول لها: قولي: أشهد بالله أن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتشير إليه، وإن كان غائباً أسمته ونسبته، فإذا كررت ذلك أربع مرات، أوقفها، ووعظها كما ذكرنا في الرجل، ويأمر امرأة تضع يدها على فمها، فإن رآها تمضي على ذلك قال لها: قولي: وأنّ غضب الله عليَّ إن كان زوجي هذا من الصادقين، ثم إن هذه الشهادات الخمس شرط، فإن أخل بواحدة منها، لم يصح اللعان،
ولو أبدل لفظ أشهد بقوله أحلف فإنه لا يعتد بها عند الحنابلة، وللشافعي وجهان، والصحيح أنّه لا يصح، كما أفاده ابن قدامة.
رابعاً: الجمهور على أن اللعان يمين لا شهادة كما أفاده الحافظ خلافاً لأبي حنيفة.
الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
والمطابقة: في كون الحديث يدل على سبب نزول الآية الكريمة.
...............
ما الفرق بين اللعان و الفذف : معنى وحدّا؟
اللعان لغة: مصدر لاعَنَ، مأخوذ من اللعن وهو الطرد والإبعاد.
وشرعاً:
شهادات مؤكدات بالأيمان، مقرونة باللعن من جهة الزوج و بالغضب من جهة الزوجة ، قائمة مقام حد القذف في حق الزوج، ومقام حد الزنى في حق الزوجة.
وسُمِّي
اللعان بذلك؛
لقول الرجل في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ولأن أحدهما كاذب لا محالة، فيكون ملعوناً.
والحكمة من مشروعية اللعان للزوج:
ألاّ يلحقه العار بزناها، ويفسد فراشه، ولئلا يلحقه ولد غيره، وهو لا يمكنه إقامة البينة عليها في الغالب، وهي لا تقر بجريمتها، وقوله غير مقبول عليها، فلم يبق سوى حلفهما بأغلظ الأيمان، فكان في تشريع اللعان؛ حلاً لمشكلته، وإزالة للحرج، ودرءاً لحد القذف عنه، ولما لم يكن له شاهد إلا نفسه مُكِّنت المرأة أن تعارض أيمانه بأيمان مكررة مثله، تدرأ بها الحد عنها، وإلا وجب عليها الحد.
وإن نكل الزوج عن الأيمان وجب عليه حد القذف، وإن نكلت هي بعد حلفه صارت أيمانه مع نكولها بَيِّنَةً قوية، لا معارض لها، ويقام عليها الحد حينئذ.
اما
شروط اللعان وكيفيته:
1- أن يكون بين زوجين مكلّفين (بالغين مميّيزَين)؛ لقوله تعالى: {
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}
[النور: 6].2-
أن يقذف الرجل امرأته بالزنا، كقوله:
يا زانية، أو:
رأيتك تزنين، أو:
زنيت.
3-
أن تُكَذِّبَ المرأة الرجل في قذفه هذا، ويستمر تكذيبها له إلى انقضاء اللعان.
4-
أن يتم اللعان بحكم حاكم.
كيفية اللعان وصفته:
صفة اللعان:
أن يقول الزوج عند الحاكم أمام جَمْع من الناس: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنى، يقول ذلك أربع مرات، ويشير إليها إن كانت حاضرة، ويسمِّيها إن كانت غائبة بما تتميز به. ثم يزيد في الشهادة الخامسة- بعد أن يعظه الحاكم ويحذره من الكذب-: وعليَّ لعنة الله، إن كنت من الكاذبين.
ثم تقول المرأة أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنى، ثم تزيد في الشهادة الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
لقوله تعالى: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ " [النور: 6- 9]. الاحكام المترتبة على اللعان :
1-
سقوط حد القذف عن الزوج.
2- ثبوت الفرقة بين الزوجين، وتحريمها عليه تحريماً مؤبداً، ولو لم يفرق الحاكم بينهما.
3- ينتفي عنه نسب ولدها ويلحق بالزوجة، ويتطلب نَفْيُ الولد ذِكْرَه صراحة في اللعان، كقوله: "أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى، وما هذا بولدي". لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"لاعن بين رجل وامرأته ففرق بينهما، وألحق الولد بالمرأة".المتقدم ذكره وتحقيقه
3- وجوب حد الزنى على المرأة، إلا أن تلاعن هي أيضاً؛ فإن نكولها عن الأيمان مع أيمانه بينةٌ قوية، توجب إقامة الحد عليها. ما حد القذف وما شروطه وما الحكمة منه:
المراد بـ "
القذف" في الحدود : هو
الرمي بالزنا أو اللواطوهذا مناسب لأصل معنى "
القذف" في اللغة ، فإن معناه :
الرمي بقوة ، فمن اتهم إنساناً بالزنا أو شتمه به فقد قذفه ، ورماه بشيء شنيع .
و
القذف محرم ، بل من كبائر الذنوب إذا كان المقذوف محصناً وعفيفاً عن الزنا .
قال الله تعالى : "
والَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "
النور:23 . قال
السعدي رحمه الله :
"ذكر الله تعالى الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال: (
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) أي: العفائف عن الفجور (
الْغَافِلاتِ) التي لم يخطر ذلك بقلوبهن (ا
لْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) واللعنة لا تكون إلا على ذنب كبير.
وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين (
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وهذا زيادة على اللعنة، أبعدهم عن رحمته، وأحل بهم شدة نقمته"
انتهى .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (
اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ [أي : المهلكات] . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ :"
الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ"
رواه البخاري (2767) ومسلم (89) . قال الحافظ
ابن حجر : "والمراد
بالموبقات هنا :
الكبائر"
انتهى .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (22/76) :
"
قذف المسلم لأخيه لا يجوز ، وهو كبيرة من الكبائر ، يجب التوبة من ذلك ، وطلب العفو من المقذوف ، ومن حقه إذا لم يعف أن يطالبه شرعا بحقه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى . وأجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف محصناً ، وهو أن يجلد ثمانين جلدةً ، لقول الله تعالى : "
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ "
النور:4 . ما الحكمة من مشروعية حد القذف؟
1-
منع الترامي بالفاحشة .
2- صيانة أعراض الناس عن الانتهاك ، وحماية سمعتهم من التدنيس .
3- لئلا تحصل عداءات وبغضاء ، وربما تحصل حروب بسبب الاعتداء على العرض وتدنيسه .
4- تنزيه الرأي العام من أن يسري فيه هذا القول ، ويسمعه الناس بآذانهم .
5- منع إشاعة الفاحشة في المؤمنين ، فإن كثرة الترامي بها ، وكثرة سماعها ، وسهولة قولها ، يجرئ السفهاء على ارتكابها .