الداعية للخير داعية نشيط
عدد المساهمات : 543 تاريخ التسجيل : 30/12/2009 العمر : 34 الموقع : yahoo.com
| موضوع: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِي السبت نوفمبر 15, 2014 11:10 am | |
| أدلة القرآن بعدم تخليد العصاة - من الموحدين - في النار، وأن الخلود للكفرة والملاحدة فقط
أولا فقد أشار القرآن إلى عدم تخليد العصاة في النار في قوله تعالى :" فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ " هود/ 106-107 ، فقد ورد عن بعض السلف كالضَّحَّاكِ ، وَقَتَادَةَ ، وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنِ : أن الِاسْتِثْنَاءَ عَائِدٌ عَلَى العُصاة مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ ، مِمَّنْ يُخْرِجُهُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ الشافعين. تفسير ابن كثير " 4/351 ".
وأيضا : آيات الشفاعة ، كقوله تعالى : " وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى " النَّجْمِ /26 ، وقوله عن الملائكة : " وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى " الْأَنْبِيَاءِ/28 ففي ذلك إشارة إلى وجود الشفاعة وانتفاع بعض الناس بها . وقد دلت السنة النبوية أن من أسباب خروج عصاة الموحدين من النار : شفاعة الأنبياء والملائكة والمؤمنين .
أما أدلة السنة النبوية فكثيرة جدا : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ ". رواه مسلم . وأما معنى قوله : " لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ " ؟ " أنهم ما عملوا أعمالاً صالحة ، لكن الإيمان وقر في قلوبهم ، فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل ، آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل ، وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيراً قط. وإما أن يكون هذا الحديث مقيداً بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلاً ، فإن من لم يصل فهو كافر ، ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله . والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة ، وهو خالد مخلد في النار أبد الآبدين والعياذ بالله .وهذا الحديث إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل فماتوا فور إيمانهم فما عملوا خيراً قط .وإما أن يكون هذا عاماً ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لابد أن يعمل كالصلاة فمن لم يصل فهو كافر لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار" انتهى .فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ."فتاوى العقيدة" "ص 526" .
والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ، فيجب الإيمان بكل ما يخبر به .وقد أجمع أهل السنة على أن من مات كافرا فهو مخلد في النار أبدا ، وأن من دخل النار من عصاة الموحدين فإنه سيخرج منها بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين ، ثم يدخل الجنة .
ثانيا : لنفرض أن القرآن لم يصرح بعدم تخليد العصاة في النار ، فقد دلت عليه السنة النبوية المتواترة - والسنة النبوية وحي يجب التصديق والعمل به كالقرآن - وقد ذكر الله تعالى أنه أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئين وهما : الكتاب والحكمة ، قال الله تعالى : " وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ " النساء/113. وقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله عمن سمعهم من أهل العلم أن الكتاب هنا هو القرآن والحكمة هي السنة النبوية . انظر : " الرسالة " للشافعي "ص 72"
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ " رواه أحمد (16722) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " برقم " 2643" .
والقرآن الكريم لم يذكر كل ما يجب اعتقاده أو العمل به ، وإنما بين من ذلك أشياء وترك أشياء أخرى بينتها السنة، قال الله تعالى : " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " النحل/44 . وأركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج لم يبين القرآن الكريم تفاصيل أحكامها ، بل حتى عدد الصلوات وعدد ركعات كل صلاة لم يبينه القرآن الكريم ، وإنما بينته السنة النبوية .
وعليه ، وبناء على ما تقدم : فأن أهل النَّار قسمان :
القسم الأول : موحِّدون خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، وأدخلهم الله تعالى النار بذنوبهم ، وشاء لهم أن يعذَّبوا فيها .وهذا القسم عذابهم في النار إلى أمد ، والله تعالى هو الذي يقدِّر ذلك الأمد ، ثم يخرجهم من النار ، ويكتب لهم الخلود في الجنَّة بعدها .وهم المقصودون في الأحايث الصحيحة الواردة التي فيها بيان خروج بعض مَن في النار ، لأجل ما عندهم من التوحيد ، وهم أصحاب النار من المسلمين .
القسم الثاني : كفار ، ومنافقون ، ليس عندهم توحيد ، وقد ماتوا على الكفر والشرك والإلحاد والنفاق . وهذا القسم عذابهم إلى الأبد ، وقد توعدهم ربهم بالخلود في النار إن هم لم يأتوا بما أمرهم الله تعالى به من توحيده وإخلاص الدين له ، فاختاروا لأنفسهم الكفر واختاروا الخلود الدائم في النار. وهم المقصودون في آيات سورة هود " فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ " هود/ 106-107
مما ذكر سابقاً نعلم أن دخول النار ليس لطائفة واحدة ، بل لطائفتين ، تخرج واحدة منها ، وهم الموحدون الذي فعلوا من المعاصي ما استحقوا به النار ، ولا تخرج الأخرى ، وهم الذين جاءوا بالكفر وماتوا عليه .
وأما الجنَّة : فلا تدخلها إلا طائفة واحدة ، وهم الموحدون ، وإذا دخل العبد : لم يخرج منها أبدا ، بل ينعم بما فيها ، لا يشقى ويبأس ، ولا يموت ، ولا يمرض ، ولا يهرم ، ولا يحرم من ذلك النعيم ، بعد ما ذاقه . فمن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :قال رسول الله عليه السلام:"...يا أهلَ الجنَّةِ خلودٌ فلا موتَ ، ويا أهلَ النارِ خلودٌ فلا موتَ...". صحيح البخاري :4730
" يُؤتى بالموتِ كهيئةِ كبشٍ أملحَ ، فينادي منادٍ : يا أهلَ الجنَّةِ ، فيشرئبون وينظرون ، فيقولُ : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموتُ ، وكلُّهم قد رآه . ثم ينادي : يا أهلَ النارِ ، فيشرئبون وينظرون ، فيقولُ : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموتُ ، وكلُّهم قد رآه ، فيذبحُ . ثم يقولُ : يا أهلَ الجنَّةِ خلودٌ فلا موتَ ، ويا أهلَ النارِ خلودٌ فلا موتَ". ثم قرأ : " وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ - وهؤلاء في غفلةِ أهل الدنيا - وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ". الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4730 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
وتبين مما سبق بأن العباد والخلق قسمين: أهل الإيمان وأهل الكفر ، أهل السعادة وأهل الشقاوة.
وأن المقصود بالخلود في النار– بلا شك - هم الكفار ، كما في قوله تعالى :" كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِين مِنَ النَّارِ " البقرة / 167 وكما في قوله تعالى :" يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ " المائدة/ 37 .
وأما أهل السعادة وأهل الإيمان: فقد حكم الله تعالى بعدم خروجهم من الجنة ، كما في قوله تعالى " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ " الحجر/ 48 .
كما وينبغي أن يُعلم أن الكافر إن جاء بما يستحق عليه الثواب ، فإنه يُجازى به في الدنيا لا في الآخرة ، فالكفر الذي جاء به مانع من قبول عمله لينتفع به في الآخرة ؛ لأن من شروط قبول العمل الإسلام . قال الطبري – رحمه الله - : " مَن عمل عملا صالحًا في غير تقوى - يعني : من أهل الشرك - أُعطي على ذلك أجراً في الدنيا : يصل رحمًا ، يعطي سائلا يرحم مضطرًّا ، في نحو هذا من أعمال البرّ ، يعجل الله له ثواب عمله في الدنيا ، ويُوسِّع عليه في المعيشة والرزق ، ويقرُّ عينه فيما خَوَّله ، ويدفع عنه من مكاره الدنيا ، في نحو هذا ، وليس له في الآخرة من نصيب ." " تفسير الطبري " 15 / 265 .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : وقال القاضي عياض :" انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ، ولا يثابون عليها بنعيم ، ولا تخفيف عذاب ، وإن كان بعضهم أشد عذاباً من بعض ". " الفتح القدير " 9 / 48 .
وعلينا أن نعلم ونؤمن ونصدق بأن الله تعالى لا يضيع عليهم أجور أعمالهم النافعة للناس ، لكنَّ ثوابها يكون في دنياهم لا في أخراهم ، وأما المؤمن فإن ثواب أعماله الخيِّرة يكون في الدنيا والآخرة .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنْ الدُّنْيَا ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّ اللَّهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ " . رواه مسلم 2808 . وفي رواية أخرى :" إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً ، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا ، وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا " .
كما وأن هذا الجزاء في الدنيا ليس مقطوعاً به ، بل هو إلى مشيئة الله تعالى ، قال عزَّ وجل :" مَن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ " الإسراء/ 18 . قال الشنقيطي - رحمه الله: " واعلم أن هذا الذي ذكرنا أدلته من الكتاب والسنة من أن الكافر ينتفع بعمله الصالح في الدنيا : كبر الوالدين ، وصلة الرحم ، وإكرام الضيف والجار ، والتنفيس عن المكروب ونحو ذلك : كله مقيد بمشيئة الله تعالى ، كما نص على ذلك بقوله : " مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ " سورة الإسراء الآية : 18.فهذه الآية الكريمة مقيدة لما ورد من الآيات والأحاديث ، وقد تقرر في الأصول أن المقيد يقضي على المطلق ، ولا سيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا ." أضواء البيان " 3 / 450 .
ملحوظة : وما ذُكرعن إثابة الله تعالى لمن شاء من الكفار لا ينطبق مثلا على " تريزا " - واسمها الأصلي آغنيس غونكزا بوجاكسيو ، وأصلها من " مقدونيا " ، وقد توفيت سنة 1997 م – وذلك أنها كانت " راهبة منصِّرة " تستثمر عملها في إعانة الفقراء والمشردين والمرضى في تنصيرهم وإدخالهم في دينها ، ومثل هذه لا يسمَّى عملها " حسنة " ، وما تطعمه في الدنيا فليس هو جزاء أعمالها ، بل هو ما تكفل الله به ، وسيعاقب عليه من كان به كافراً كما قال تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " البقرة : 126.
وعليه علينا أن نعلم أن أعمال الكفار في الدنيا على قسمين :
الأول : ما كان من أعمال الدنيا من أعمال البِرّ ، ولا يشترط فيه نية التقرب ، كصلة الرحم وإكرام الضيف وما يشبهه ، فهذا هو المقصود في الحديث والذي من أجله يثاب الكافر عليه في الدنيا إن شاء الله له المثوبة . قال النووي – رحمه الله " وصرَّح في هذا الحديث بأن يطعم في الدنيا بما عمله من الحسنات أي : بما فعله متقرباً به إلى الله تعالى مما لا يفتقر صحته إلى النية ، كصلة الرحم ، والصدقة ، والعتق ، والضيافة ، وتسهيل الخيرات ، ونحوها" . شرح مسلم . 17 / 150 . الثاني : من كان من أعمال الدنيا ، ويَقصد به صاحبه نشر دينه ، وفتنة المسلمين عن دينهم ، فهذا ليس داخلاً في الحديث ، بل صاحبه متوعد عليه أشد الوعيد ؛ لأنه يصد بها عن دين الله ، ويستغل حاجات الناس وفقرهم ومرضهم لذلك الغرض الخبيث ، ومنه ما تفعله " تريزا " وأمثالها من المنصرين ودعاة الباطل .
وأما ما كان من أعمال الدين وتشترط فيه نية التقرب ، كالحج والعمرة والدعاء ، فهذا لا يؤجر عليه الكافر في الدنيا ولا في الآخرة ؛ لكونه باطلاً ، لتخلف شروط قبوله وهي : الإسلام والإخلاص والمتابعة - اي بما ـ أمر الله به وبما جاء به نبيه – محمد - عليه السلام، ثم إن الكفر يحبط الأعمال فلا يستفيد منها صاحبها يوم القيامة شيئاً .
ومما يجدر إلشارة إليه للأهمية قوله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " سورة النساء: 48، وقوله تعالى : " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " سورة النساء :93 قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : " ليس هناك بحمد الله بينهما اختلاف ، فالآية الأولى فيها بيانه سبحانه لعباده أن ما دون الشرك تحت مشيئته قد يغفره فضلا منه سبحانه ، وقد يعاقب من مات على معصية بقدر معصيته لانتهاكه حرمات الله ولتعاطيه ما يوجب غضب الله ، أما المشرك فإنه لا يغفر له بل له النار مخلدا فيها أبد الآباد إذا مات على ذلك - نعوذ بالله من ذلك - وأما الآية الثانية ، ففيها الوعيد لمن قتل نفسا بغير حق وأنه يعذب وأن الله يغضب عليه بذلك ، ولهذا قال تعالى : " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " فمعنى ذلك : أن هذا هو جزاؤه إن جازاه سبحانه وهو مستحق لذلك وإن عفا سبحانه فهو أهل العفو وأهل المغفرة جل وعلا ، وقد يعذب بما ذكر الله مدة من الزمن في النار ثم يخرجه الله من النار ، وهذا الخلود خلود مؤقت ، ليس كخلود الكفار ، فإن الخلود خلودان : خلود دائم أبدا لا ينتهي ، وهذا هو خلود الكفار في النار ، كما قال الله سبحانه في شأنهم : " كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ " هكذا في سورة البقرة . وقال في سورة المائدة : " يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ " أما العصاة : كقاتل النفس بغير حق والزاني والعاق لوالديه وآكل الربا وشارب المسكر وأشباههم إذا ماتوا على هذه المعاصي وهم مسلمون ، هم تحت مشيئة الله كما قال سبحانه : " وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " فإن شاء جل وعلا عفا عنهم لأعمالهم الصالحة التي ماتوا عليها وهي توحيده وإخلاصهم لله وكونهم مسلمين أو بشفاعة الشفعاء فيهم مع توحيدهم وإخلاصهم. وقد يعاقبهم سبحانه ولا يحصل لهم عفو فيعاقبون بإدخالهم النار وتعذيبهم فيها على قدر معاصيهم ثم يخرجون منها ، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يشفع للعصاة من أمته ، وأن الله يحد له حدا في ذلك عدة مرات ، يشفع ويخرج جماعة بإذن الله ثم يعود فيشفع ، ثم يعود فيشفع ، ثم يعود فيشفع عليه الصلاة والسلام ( أربع مرات ) ، وهكذا الملائكة وهكذا المؤمنون وهكذا الأفراط كلهم يشفعون ويخرج الله سبحانه من النار بشفاعتهم من شاء سبحانه وتعالى ويبقي في النار بقية من العصاة من أهل التوحيد والإسلام فيخرجهم الرب سبحانه بفضله ورحمته بدون شفاعة أحد ، ولا يبقى في النار إلا من حكم عليه القرآن بالخلود الأبدي وهم الكفار . والأفراط هم الأولاد الذي لم يبلغوا الحلم وماتوا قبل أبويهم.
وبهذا يعلم العاقل والمتفكر والمتبصر بظان الجمع بين الآيتين وما جاء في معناهما من النصوص وأن أحاديث الوعد بالجنة لمن مات على الإسلام على عمومها إلا من أراد الله تعذيبه بمعصيته فهو سبحانه الحكيم العدل في ذلك يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد جل وعلا. ومنهم من لا يعذب فضلا من الله لأسباب كثيرة من أعمال صالحة ومن شفاعة الشفعاء ، وفوق ذلك رحمته وفضله سبحانه وتعالى .
كما وينبغي العلم اليقين بأن النار لا تفنى ولا يخرج منها الكفار والملاحدة أبداً. فقد توعد الله الكفار والملحدين بالنار السرمدية فقال تعالى :" لابثين فيها أحقابا " سورة النبأ: 23 . والذي عليه أهل السنة والجماعة أن النار لا تفنى ولا تبيد ، ولا يخرج منها إلا عصاة الموحدين ، أما الكفرة والملحدون فهم فيها خالدون .
قال الإمام ابن حزم في كتابه " مراتب الإجماع ": وأن النار حق ، وأنها دار عذاب لا تفنى ، ولا يفنى أهلها بلا نهاية ". وقال في كتابه " الفصل في الملل والأهواء والنحل : "اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها ، ولا للنار ولا لعذابها ، إلا الجهم بن صفوان وأبا الهذيل العلاف وقوما من الروافض ، فأما جهم فقال : إن الجنة والنار يفنيان ويفنى أهلهما ، وقال أبو الهذيل : إن الجنة والنار لا يفنيان ، ولا يفنى أهلهما ، إلا أن حركاتهم تفنى ، ويبقون بمنزلة الجماد لا يتحركون وهم في ذلك أحياء متلذذون أو معذبون." وقالت تلك الطائفة من الروافض : إن أهل الجنة يخرجون من الجنة ، وكذلك أهل النار من النار إلى حيث شاء الله" الفصل 4/145 ط. دار الجيل.
وقال الطحاوي في عقيدته : " والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان ولاتبيدان ". وقد تضافرت أدلة الكتاب والسنة على تقرير هذا المعتقد ، فمن ذلك قوله تعالى : " ولهم عذاب مقيم " المائدة/37 ، وقوله : " لا يُفَتَّر عنهم وهم فيه مبلسون " الزخرف/75 ، وقوله : " خالدين فيها أبدا " البينة/8 ، وقوله : " وما هم منها بمخرجين " الحجر/48 ، وقوله : " وما هم بخارجين من النار" البقرة/167 ، وقوله : " ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " الأعراف/40 ، وقوله : " لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور " فاطر/36 .
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم : " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال : يا أهل الجنة هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم هذا الموت .قال : ويقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم هذا الموت. فيؤمر به فيذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ." ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :" وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون " ". رواه مسلم (5087) من حديث أبي سعيد الخدري. فهذا النص الصحيح الصريح لا يدع مجالا للشك في هذه الحقيقة ، وهي أن أهل النار خالدون فيها لا يموتون ولا يخرجون ، كما أن أهل الجنة في الجنة خالدون .
قال شارح الطحاوية : " وقد دلت السنة المستفيضة أنه يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله . وأحاديث الشفاعة صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار ، وأن هذا حكم مختص بهم ، فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ، ولم يختص الخروج بأهل الإيمان " انتهى من شرح الطحاوية ص 430 ط. المكتب الإسلامي.
وأما قوله تعالى عن أهل النار : " لابثين فيها أحقابا لا يذوقون بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا " النبأ/23-25 ، فالمراد كما قال القرطبي رحمه الله :" أي ما كثين في النارما دامت الأحقاب ، وهي لا تنقطع ، فكلما مضى حُقُب جاء حُقُب ، والحقب بضمتين : الدهر، والأحقاب : الدهور ، والحقبة ، بالكسر : السنة ، والجمع حِقب ... والحُقْب بالضم والسكون : ثمانون سنة ، وقيل أكثر من ذلك على ما يأتي ، والجمع : أحقاب . والمعنى في الآية : لابثين فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها ؛ فحذف الآخرة لدلالة الكلام عليه ؛ إذ في الكلام ذكر الآخرة ، وهو كما يقال : أيام الآخرة ، أي أيام بعد أيام إلى غير نهاية ، وإنما كان يدل على التوقيت لو قال : خمسة أحقاب أو عشرة أحقاب ونحوه . وذكر الأحقاب لأن الحقُب كان أبعد شيء عندهم ، فتكلم بما تذهب إليه أوهامهم ويعرفونها ، وهي كناية عن التأبيد ، أي يمكثون فيها أبدا . وقيل: ذكر الأحقاب دون الأيام لأن الأحقاب أهول في القلوب وأدل على الخلود ، والمعنى متقارب .وهذا الخلود في حق المشركين ، ويمكن حمل الآية على العصاة الذي يخرجون من النار بعد أحقاب .وقيل : الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغساق ، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العقاب ، ولهذا قال:" لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا"." انتهى من تفسير القرطبي رحمه الله.
وأما قوله تعالى : " فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق . خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد " هود/106،107، فقد ذكر القرطبي رحمه الله في تفسيرها أحد عشر قولا كلها تدل على خلود الكفار في النار وتأبيدهم فيها ، ومن هذه الأقوال : " أن الاستثناء إنما هو للعصاة من المؤمنين في إخراجهم بعد مدة من النار ، وعلى هذا يكون قوله ( فأما الذين شقوا ) عاما في الكفرة والعصاة ، ويكون الاستثناء من ( خالدين ) ، وفي الصحيح من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحُممة أخرجوا منها ودخلوا الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون" . رواه البخاري – 6896.
ومنها : " أن " إلا " بمعنى " سوى " كما تقول في الكلام : ما معي رجل إلا زيد ، ولي عليك ألا درهم إلا الألف التي لي عليك. فالمعنى : ما دامت السموات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود" .
وبهذا يعلم أن ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع من خلود النار وأهلها ، لم يعارضه نص صحيح صريح من كتاب الله ولا من سنة رسوله ، ولا من آثار الصحابة والتابعين .
وعليه فالأحقاب لا تتناهى ، ولا تنقطع - أعاذنا الله وإياك من ذلك - كما قال سبحانه : " والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور. وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالح غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير" فاطر/36،37 . وقال جل وعلا : " إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون. لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. وما ظلمناهم ولكن هم الظالمون . ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون . لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون " الزخرف/74-78. وقال سبحانه : " أفنجعل المسلمين كالمجرمين . مالكم كيف تحكمون" القلم/34،35 وقال : " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون. وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون " الجاثية/21،22 وقال : " إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون" يونس/4.
ومن تدبر هذه الآيات المباركات أيقن أن الله حكيم عليم رحيم لا يظلم الناس مثقال ذرة ،" وما ربك بظلام للعبيد"فصلت:46 . وهو سبحانه " لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون" الأنبياء/23 .
| |
|