هل هناك علامات قبل وفاة الإنسان سواء كان مؤمنا أو كافرا ؟
وهل للعلامات أوقات محددة؟
ماذا يفعل من تبين له ان أجله قريب ؟
وهل هناك طريقة شرعية ثابتة لتخفيف سكرات الموت ؟
هل يشعر الإنسان الذي اقترب أجله بقرب أجله قبل مماته ؟
وما أفضل الأعمال الصالحة التي ينصح التمسك بها لمن قرب اجله ؟الجواب :
الحمد لله ،
أولا :
لا يعلم أحد من الناس على وجه التحديد متى يموت ، ولا بأي أرض يموت ، قال تعالى : "
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ".
سورة لقمان: 34 .
وقال تعالى : "
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "
سورة آل عمران: 185وهذه حقيقة يجب أن نعلمها ونوقن بها ونجتهد في العمل لحين حضورها وقدومها ، فليس أحدٌ بناجٍ من الموت ، طال عمره أو قصر ، صحيحاً كان أو مريضاً ، غنيّاً كان أو فقيراً ، ملكا أو مملوكا ، حاكما أو محكوما ، ذكرا أو انثى ، صغيرا أو كبيرا ، مسلما أو كافرا.
وقال سبحانه وتعالى : "
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ "
العنكبوت: 57 .
وقال عز وجل : "
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ "
سورة الأنبياء: 35 .
وقال عز وجل: "
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ "
سورة الأنبياء: 34 .
فكل الناس والخلق سيموتون - لا محالة - ،
حتى الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام -.
كما قال ربنا تبارك وتعالى لنبينا "
محمد " - عليه الصلاة والسلام -: "
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ "
سورة الزمر: 30 .
فلا مهرب من الموت مهما بذل الإنسان من أسباب - الصحية وغذائية وعلاجية و وقائية - فهو ميت ،
وأينما كان متحصنا او متقيا او فارّا، فإن الموت مدركه لا محالة ، كما بين ربنا تبارك وتعالى فقال: "
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ "
سورة الجمعة: 8 .
وقال جل في علاه :"
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ " سورة ق: 19
و
قال خالقنا ومميتنا - سبحانه وتعالى- مبينا ان لا فرار من الموت الموعود به كل الخلائق مهما بلغت الاحتياطات والاسباب والدرجات : "
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "
سورة الجمعة :8وقال سبحانه: "
أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ "
سورة النساء: 78 .
قال
ابن كثير في تفسيره - رحمه الله - :"
أي : أينما كنتم يدرككم الموت ، فكونوا في طاعة الله ، وحيث أمركم الله فهو خير لكم ، فإن الموت لا بد منه ، ولا محيد عنه ، ثم إلى الله المرجع ، فمن كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء ، ووافاه أتم الثواب".
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 291 ) .
وقال ايضا- رحمه الله – :"
أنتم صائرون إلى الموت لا محالة ، ولا ينجو منه أحد منكم ، كما قال تعالى : (
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وِالإكْرَامِ ) ".
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 360 ) .
قالَ الشاعرالعباسي -
أبو العتاهية - :
الموت بابٌ وكل الناسِ داخله ....الا ليت شعري بعد الموت ما الدار؟
الدارُ جَنَّةُ خُلدٍ إِن عَمِلتَ بِـما .... يُـرضي الإِلَـهَ وَإِن قَـصَّرتَ فَالنـارُ
هما محلان ما للناس غيرهما .... فانـظر لـنـفـسك مـاذا أنـت تـخـتار ثانيا:
ليست هناك علامات معينة يتعرف بها الإنسان على قرب أجله وانقضاء عمره ، وهذا من رحمة الله بعباده ، فإن الإنسان إذا علم متى يكون أجله ، وعلم أن التوبة تكفر ما قبلها من الخطايا ، ربما انغمس في الذنوب ، وارتكس في الآثام ، ومنى نفسه أنه قبل موته بساعة من نهار : تاب وأقلع ، ومثل هذا لا يصلح أن يكون عبدا لله ؛ بل هو عابد لهواه .
بخلاف الواقع الذي لا يدري معه الإنسان متى يموت ، فالعاقل يتدارك ما فاته سريعا ويبادر بالتوبة والعمل الصالح ، فإنه لا يدري متى يكون انقضاء أجله ، ولا يزال على ذلك حتى يتوفاه الله ، ومثل هذا حري أن يكون عبدا صالحا محبا لطاعة الله نافرا من معصية الله .
وهناك بعض العلامات التي قد تدل على دنو أجل العبد ، كإصابته بمرض خطير لا يكاد يسلم منه الناس عادة ، وكذا بلوغه أرذل العمر ، وتعرضه لحادث مهلك ونحو ذلك من الأمور القدرية .
ولقد أوصانا النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - بالإكثار من ذِكر الموت حتى نكون مستعون للقاء ربنا ، بالاكثار من الأعمال الصالحة قبل أن الموت ! فنسيان الموت والغفلة عنه تؤدي إلى التعلق بالدنيا ، وتسويف التوبة ، والتكاسل عن الطاعات ! .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "
أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ - يَعْنِي :
الْمَوْتَ "
الراوي : أبو هريرة | المحدث : النووي في الأذكار: 177 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح. ورواه الترمذي ( 2307 ) والنسائي ( 1824 ) وابن ماجة ( 4258 ) والذكر للموت هنا منبه عن الانغماس في ملذات الدينا وزينتها وزخرفها، وصارف ومانع من الاستعداد لسكراته وعبراته وللقبر وسؤاله وضيقه ووحشته، فليس المراد بالذكر هنا الذكر الذي يقطع الإنسان عن مصالحه في معاشه ومعاده ، ويصيبه بالإحباط أو النكوص و الانقطاع عن الناس و فعل ما عليه من عمارة للارض والخير للدنيا والاخرة ، فقد قال ربنا تبارك وتعالى :"
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ..." .
سورة القصص:77 قال
ابن كثير - رحمه الله - :"
اي لا تنس نصيبك مما أباح الله لك فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح ، فإن لربك عليك حقًّا ، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقا ".
"تفسير ابن كثير" (6/253) ..
وهذا قول الحسن وقتادة وابن جريج .
وسئل الإمام
مَالِكٌ رحمه الله عَنْ هذه الآية فَقَالَ : (
أَنْ يَعِيشَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ غَيْرَ مُضَيِّقٍ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ)
انتهى "المنتقى" (4 / 302) . "
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ "
أي : استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة ، في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات ، التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة ، ولا تنس مع ذلك نصيبك من الدنيا .
فلا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعا ، بل أنفق لآخرتك ، واستمتع بدنياك استمتاعا لا يضر دينك ، ولا يضر بآخرتك .
من: "تفسير الطبري" (19 / 625) - "تفسير ابن كثير" (6/253) – "زاد المسير" (6/241) - "تفسير السعدي" (ص/623) .
فعلينا ذكر الموت وتذكره للاستعداد لا للتكدير والضيق كما قال الشيخ
عطية سالم رحمه الله : "
المراد بذلك أن تكثر من ذكر الموت لتستعد له ، لا لتكدر صفوك في الدنيا وتقول : أنا سأموت ، لماذا اعمل ؟!! ثم يضيق صدرك ؛ لا ، المراد : أكثروا من تذكُّره في نفوسكم ، من أجل أن تستعدوا له .
" شرح بلوغ المرام (4/2) .
وكما قال بعض العلماء :"
مَن أكثر ذكر الموت أكرمه الله بثلاث : تعجيل التوبة ، وقناعة القلب ، ونشاط العبادة ، ومن نسي ذكر الموت ابتلي بثلاث : تسويف التوبة ، وترك الرضا ، والتكاسل بالعبادة " .
والاكثار من ذكر الموت وتذكره افضل ما يكون كحال الأنبياء والرسل - عليهم السلام - والأولياء والصالحين ، الذين قال الله فيهم وعنهم:
"
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ "
سورة الأنبياء: 90 .
وقال تعالى: "
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا "
سورة السجدة: 16 .
وقال تعالى : "
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ "
سورة الزمر: 9 . فلا نسأل أنفسنا متى تموت ؟ بل على أي شيء تموت ؟ على خير أم شر ؟ على طاعة أم معصية ؟ على الإسلام أم على الكفر ؟
وبما أن الإنسان لا يدري متى يموت فإن هذا يدفعه لأن يكون متأهباً دائما للموت استعداداً للقاء ربه على أحسن حال .
ثالثا :
من العلامات التي تدل على صلاح العبد عند موته ، والعلامات التي تدل على سوء خاتمته - والعياذ بالله -:
فحسن الخاتمة هو :
أن يُوفق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الرب سبحانه ، والتوبة من الذنوب والمعاصي ، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير ، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة ، ومما يدل على هذا المعنى ما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله " قالوا :
كيف يستعمله ؟ قال : "
يوفقه لعمل صالح قبل موته " .
رواه الإمام أحمد (11625) والترمذي (2142) ،حديث صحيح.وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"
إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ " ، قِيلَ :
وَمَا عَسَلُهُ ؟ قَالَ:"
يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ " .
رواه أحمد 17330 ،حديث صحيح.
ولحسن الخاتمة علامات ، منها ما يعرفه العبد المحتضر عند احتضاره ، ومنها ما يظهر للناس:
قال جل وعلا: "
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون "
سورة فصلت : 30 ، وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم .
"تفسير السعدي: 1256"
ومما يدل على هذا أيضا ما رواه
البخاري (6507) و
مسلم (2683) من حديث عبادة بن الصامت ، عن أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها، او عن
بعض ازواج النبي - رضي الله عنهن اجمعين - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
من أحبَّ لقاءَ اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءَه ، ومن كرِه لقاءَ اللهِ كرِه اللهُ لقاءَه" . قالت عائشةُ أو بعضُ أزواجِه : إنَّا لنكرهُ الموتَ ، قال :" ليس ذاك ، ولكنَّ المؤمنَ إذا حضره الموتُ بُشِّر برضوانِ اللهِ وكرامتِه ، فليس شيءٌ أحبَّ إليه ممَّا أمامه ، فأحبَّ لقاءَ اللهِ وأحبَّ اللهُ لقاءَه ، وإنَّ الكافرَ إذا حُضِر بُشِّر بعذابِ اللهِ وعقوبتِه ، فليس شيءٌ أكرهَ إليه ممَّا أمامه ، فكرِه لقاءَ اللهِ وكرِه اللهُ لقاءَه "
وقال
النووي رحمه الله : (
معنى الحديث أن المحبة والكراهية التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تقبل فيها التوبة، حيث ينكشف الحال للمحتضر، ويظهر له ما هو صائر إليه ).
علامات حسن الخاتمة فهي كثيرة ، وقد تتبعها العلماء رحمهم الله باستقراء النصوص الواردة في ذلك فمن هذه العلامات :
1-
النطق بالشهادة عند الموت ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "
من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"
رواه أبو داوود 3116 ، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 2673 .2-
الموت برشح الجبين ، أي : أن يكون على جبينه عرق عند الموت ، لما رواه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
موت المؤمن بعرق الجبين "
رواه أحمد (22513) والترمذي (980) والنسائي (1828) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .3-
الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "
ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر"
رواه أحمد (6546) والترمذي (1074) قال الألباني : الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح .4-
الموت غازياً في سبيل الله ؛ لقول الله تعالى : "
وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ "
سورة ال عمران:171.وقال صلى الله عليه وسلم : "
من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد "
رواه مسلم ، من حديث ابي هريرة - رضي الله عنه -1915.5-
الموت بالطاعون لقوله صلى الله عليه وسلم : " الطاعون شهادة كل مسلم " رواه البخاري (2830) ومسلم ( 1916 ) وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُصِيبُهُ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ " رواه البخاري 3474.
6-
الموت بداء البطن ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "
... ومن مات في البطن فهو شهيد "
رواه مسلم:1915 ، من حدبث ابي هريرة رضي الله عنه.7-
الموت بسبب الهدم والغرق ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "
بينَما رجلٌ يمشي بطريقٍ ، وجدَ غُصنَ شوكٍ على الطَّريقِ فأخَّرَهُ ، فشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فغَفرَ لَهُ وقالَ : الشُّهداءُ خمسةٌ : المَطعونُ ، والمبطونُ ، والغَرِقُ ، وصاحبُ الهدمِ ، والشَّهيدُ في سَبيلِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ "
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم في صحيحه: 1914. وأخرجه البخاري 2829 .8-
موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها أو وهي حامل به ، ومن أدلة ذلك ما رواه
أبو داود ( 3111 ) من حديث
جابر بن عتيك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"
... والمرأة تموت بجُمع شهيد " قال
الخطابي :
معناه أن تموت وفي بطنها ولد .
اهـ عون المعبودوقال عليه الصلاة والسلام :"
الشهداءُ سبعةٌ سوى القتلِ في سبيلِ اللهِ : المطعونُ شهيدٌ والغريقُ شهيدٌ وصاحبُ ذاتِ الجنبِ شهيدٌ والمبطونُ شهيدٌ والحريقُ شهيدٌ والذي يموتُ تحتَ الهدمِ شهيدٌ والمرأةُ تموتُ بجُمْعٍ شهيدٌ "
الراوي : جابر بن عتيك | المحدث : ابن عبدالبر في التمهيد : 19/202 | خلاصة حكم المحدث : لم يختلفوا في إسناده ومتنه .
وروى الإمام
أحمد (17341) عن
عبادة بن الصامت أنه قال أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: عادَ عبدَ اللَّهِ بنَ رواحةَ قالَ: فما تحوَّزَ لهُ عن فراشِهِ ، فقالَ:
أتدري مَن شُهَداءُ أمَّتي ؟ قالوا: قتلُ المسلِمِ شَهادةٌ. قالَ:
إنَّ شُهَداءَ أمَّتي إذًا لقليلٌ قتلُ المسلِمِ شَهادَةٌ، والطَّاعونُ شَهادةٌ، والمرأةُ يقتلُها ولدُها جَمعاءَ شَهادةٌ، يَجُرُّها ولدُها بسَررِهِ إلى الجنَّةِ".
الراوي : عبادة بن الصامت | المحدث : الألباني في أحكام الجنائز : 53 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح وله طرق أخرى السرة :
ما يبقى بعد القطع مما تقطعه القابلة ، والسرر
ما تقطعه .
9-
الموت بالحرق وذات الجنب والسل ، لقحديث راشد بن حبيش أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دخل على عبادةَ بنِ الصامتِ يعوده في مرضِه فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:"
أتعلمونَ الشهيدَ في أُمَّتي؟" فأرَمَّ القومُ، فقال عبادةُ ساندوني فأسنَدوه فقال يا رسولَ اللهِ الصابرُ
المُحتَسبُ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ :"
إنَّ شهداءَ أُمَّتي إذًا لقليلٌ القتلُ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ شهادةٌ والطاعونُ شهادةٌ والغَرِقُ شهادةٌ والبطنُ شهادةٌ والنُّفَساءُ يجرُّها ولدُها بسَرَرِه إلى الجنةِ " قال : وزاد
أبو العوام سادنُ بيتِ المقدسِ "
والحَرِقُ والسَّيلُ"
الراوي : راشد بن حبيش | المحدث : الهيثمي في مجمع الزوائد : 5/302 | خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات .
10-
الموت دفاعاً عن الدين أو المال أو النفس لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال :"
مَن قُتل دون مالٍ فهو شهيدٌ ومن قُتل دون دمِه فهو شهيدٌ ومن قُتل دون دينِه فهو شهيدٌ ومن قُتل دون أهلِه فهو شهيدٌ ".
الراوي : سعيد بن زيد | المحدث : المنذري في الترغيب والترهيب : 2/295 | خلاصة حكم المحدث : ]إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] وروى
البخاري (2480) و
مسلم (141) عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"
مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " .
11-
الموت رباطاً في سبيل الله ، لما رواه
مسلم (1913) عن
سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه ، وأُمن الفتان " .
12-
الموت على عمل صالح ، لقوله صلى الله عليه وسلم : "
مَنْ قال : لا إلهَ إلَّا اللهُ ابْتغاءَ وجْهِ اللهِ خُتِمَ لهُ بِها دخلَ الجنةَ ، ومَنْ صامَ يومًا ابتغاءَ وجهِ اللهِ خُتِمَ لهُ بِها دخلَ الجنةَ ، ومَنْ تصدَّقَ بصدقةٍ ابتغاءَ وجْهِ اللهِ خُتِمَ لهُ بها دخلَ الجنةَ ".
الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : الألباني في أحكام الجنائز: 58 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح وهذه العلامات هي من البشائر الحسنة التي تدل على حسن الخاتمة ، ولكننا مع ذلك لا يجزم لشخص ما بعينه أنه من أهل الجنة ، إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ومنهم كما روى الإمام الترمذي وغيره عن سعيد بن زيد : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"
عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن وأبو عبيدة، وسعد بن أبي وقاص – قال: فعد هؤلاء التسعة، وسكت عن العاشر، فقال القوم: ننشدك الله يا أبا الأعور من العاشر؟ قال: نشدتموني بالله أبو الأعور في الجنة"
(1) أبو بكر: عبد الله بن عثمان الصديق الأكبر.
(2) أبو حفص: عمر بن الخطاب.
(3) أبو عبد الله: عثمان بن عفان.
(4) أبو الحسن: علي بن أبي طالب.
(5) أبو محمد: طلحة بن عبيد الله.
(6) أبو عبد الله: الزبير بن العوام.
(7) أبو إسحاق: سعد بن أبي وقاص.
( أبو محمد: عبد الرحمن بن عوف.
(9) أبو عبيدة: عامر بن عبد الله بن الجراح.
(10) أبو الأعور: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. رابعا :
متى أحس العبد بدنو أجله لمرضه الشديد ونحو ذلك ؛ فالواجب عليه أن يتدارك أمره بالتوبة إلى الله ورد المظالم إلى أهلها والتحلل منهم ، والمسارعة في العمل الصالح والجد في الرغبة إلى الله والتفرغ لطاعته ، وطلب الإحسان منه بالعفو والمغفرة ، و ُحسن الظن بالله سبحانه وتعالى ، والثقة في عظيم كرمه وواسع رحمته ، وأنه لا يخيب ظن عبد ظن به خيرا .
وقد روى
مسلم (2877) عَنْ
جَابِرٍ، قَالَ : " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ، يَقُولُ: "
لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ " " .
وكذلك الإكثار من مكفرات الذنوب وماحيات الآثام من الاستغفار والمحافظة على الوضوء والصلاة والحج والعمرة والصدقة والسعي على الايتام والارامل والاستغفار و صلة الرحم وغيرها الكثير .
خامسا :
سكرات الموت آخر شدة يلقاها العبد قبل لقاء الله ، وسكرات الموت هي آخر ما يكفر الله به عن عبده ، نسأل الله أن يخفف عنا هذه السكرات وأن يعيننا عليها .روى البخاري (4449) عن عَائِشَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي تُوُفِّيَ فِيه جَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ، يَقُولُ : " لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ " ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : " فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى " حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ " .
وروى الترمذي (978) عَنْ عَائِشَةَ : " أَنَّهَا قَالَتْ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالمَوْتِ ، وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ ، وَهُوَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي القَدَحِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالمَاءِ ، ثُمَّ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى مُنكرَاتِ المَوْتِ أَوْ سَكَرَاتِ المَوْتِ " .المحدث: ابن حجر العسقلاني في تخريج مشكاة المصابيح : 2/168 | خلاصة حكم المحدث : أصله في الصحيحين. سئل الشيخ
ابن عثيمين رحمه الله :
هل تخفف صعوبة سكرات الموت من الذنوب ، وكذلك
المرض الذي يسبق الموت هل يخفف من الذنوب ؟
فأجاب :
"
كل ما يصيب الإنسان من مرض أو شدة أو هم أو غم ، حتى الشوكة تصيبه فإنها كفارة لذنوبه ، ثم إن صبر واحتسب كان له مع التكفير أجر ذلك الصبر الذي قابل به هذه المصيبة التي لحقت به ، ولا فرق في ذلك بين ما يكون في الموت وما يكون قبله "
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (24/ 2) بترقيم الشاملة . ومع شدة الموت وسكرته ، فإن ما يلقاه المؤمن من البشارة والتثبيت عند موته ؛ مما يهون عليه ما يلقى ، ويشوقه إلى ما بعده من لقاء الله .
قال الحافظ
ابن حجر رحمه الله :
"
الْمَيِّت لَا يَعْدُو أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ : إِمَّا مُسْتَرِيحٌ وَإِمَّا مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يُشَدَّدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَأَنْ يُخَفَّفَ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِتَقْوَاهُ وَلَا بِفُجُورِهِ ، بَلْ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى ازْدَادَ ثَوَابًا ، وَإِلَّا فَيُكَفَّرُ عَنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَسْتَرِيحُ مِنْ أَذَى الدُّنْيَا الَّذِي هَذَا خَاتِمَتُهُ ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : مَا أُحِبُّ أَنْ يُهَوَّنَ عَلَيَّ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ ، إِنَّهُ لَآخِرُ مَا يُكَفَّرُ بِهِ عَنِ الْمُؤْمِنِ.وَمَعَ ذَلِكَ فَالَّذِي يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْبُشْرَى ، وَمَسَرَّةِ الْمَلَائِكَةِ بِلِقَائِهِ ، وَرِفْقِهِمْ بِهِ ، وَفَرَحِهِ بِلِقَاءِ رَبِّهِ : يُهَوِّنُ عَلَيْهِ كُلَّ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ أَلَمِ الْمَوْتِ ، حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ لَا يُحِسُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ "
انتهى من "فتح الباري" (11/ 365) . موت الفجأة من أقدار الله التي يقضي بها في عباده ، بأن يصيب الموتُ العبدَ مفاجأة من غير إمهال ولا إخطار ، وإنما هجوما تنسل به الروح من غير معاناة سكرات الموت ومقدماته .وهو صورة من صور الموت التي وجدت قديما ، وزاد انتشارها حديثا بسبب حوادث السير المعروفة اليوم ، والعدوان على الشعوب والأفراد بآلات القتل الحديثة الفاتكة .
وقد جاء في بعض الآثار والأحاديث أن انتشار موت الفجأة من علامات الساعة ، حسَّن هذه الآثار الحافظ
السخاوي في "
المقاصد الحسنة " (ص/506) وقال :
له طرق يقوي بعضها بعضا ، و
الألباني في "
السلسلة الصحيحة " (5/370)، ويمكن الاطلاع عليها في كتاب : "
إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (2/236) للشيخ
حمود التويجري .
ثم إن
موت الفجأة يمكن أن يكون خيرا ، او أن يكون شرا ، وذلك بحسب اختلاف حال المتوفى :
1-
فإذا كان المتوفَّى من أهل الصلاح والخير ،
وله عند الله من الحسنات والأعمال الصالحة ما يُرجَى أن تكون نورا بين يديه يوم القيامة :
فجميع صور الموت بالنسبة له من الخير ، سواء موت الفجأة ، أو بعد معاناة سكرات الموت : موت الفجأة رحمة وتخفيف وعفو من رب العباد ، فلا يجد من ألم الموت وشدة سكراته ومعاناة مرضه شيئا يذكر ، وإن وقع له ذلك ولم يكن موته فجأة كان تكفيرا لسيئاته ، ورفعة لدرجاته عند الله ، وذلك تصديق لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ،حيث قال :"
عجبًا لأمرِ المؤمنِ . إن أمرَه كلَّه خيرٌ . وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ . إن أصابته سراءُ شكرَ . فكان خيرًا له . وإن أصابته ضراءُ صبر . فكان خيرًا له "
الراوي : صهيب بن سنان | المحدث : مسلم في صحيحه:2999 ثم وأن موت المؤمن راحة له من نصب الدنيا وعذابها ، إلى نعيم الآخرة وسعة رحمة الله وفضله وجناته.2-
أما إذا كان المتوفَّى من المقصرين أو الفسقة الظلمة أو الكفرة :
فموت الفجأة بالنسبة له نقمة وغضب ، إذ عوجل بالموت قبل التوبة ، ولم يمهل كي يستدرك ما مضى من تفريطه وتقصيره ، فأُخِذَ أخذةَ انتقام وغضب كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "
مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ / أخذةُ آسِفٍ "
الراوي : عبيد بن خالد السلمي | المحدث : النووي في المجموع : 5/321 | خلاصة حكم المحدث : روي مرفوعاً، وموقوفا بإسناد صحيح . و رواه أبو داود (رقم/3110) . ولما كان الجزم بصلاح النفس أو تقصيرها من الأمور العسرة ، وتتفاوت فيها القلوب ، وتتنازعها أسباب الورع والخوف أو الثبات واليقين ، وجدنا في الآثار عن السلف بعض الاختلاف في نظرتهم لموت الفجأة ، فمَن غَلَّبَ جانب الخوف من الله ، وظنَّ في نفسه التقصير : كان يستعيذ من موت الفجأة ، ويرجو أن يكفر الله خطاياه بمعالجة سكرات الموت، ومَن غَلَّب جانب الرجاء ، وسعة رحمة الله : رأى في موت الفجأة فرجا ورحمة وعفوا من الله عز وجل . فإذا قرأنا عن السلف كلاما عن موت الفجأة ظاهره التعارض ، فهو في الحقيقة والباطن ليس اختلاف تعارض ، وإنما اختلاف تنوع .
عن عبد الله بن مسعود وعائشة رضي الله عنهما قالا : "
أسف على الفاجر وراحة للمؤمن : يعني
الفجأة ". ا
نتهى " مصنف ابن أبي شيبة " (3/370)، " السنن الكبرى " للبيهقي (3/379).وعن
تميم بن سلمة ، قال : مات منا رجل بغتة ، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذة غضب ، فذكرته لإبراهيم - وقل ما كنا نذكر لإبراهيم حديثا إلا وجدنا عنده فيه - فقال :
كانوا يكرهون أخذة كأخذة الأسف .
" مصنف ابن أبي شيبة " (3/370) والأحاديث المتعلقة بموت الفجأة مدحا أو ذما لم يثبت منها الا ما سبق ، وكذلك لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من موت الفجأة . وقال
الفيروزأبادي رحمه الله :
"
ما ثبت فيه شيء " انتهى.
" سفر السعادة " (ص/353) ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص يحفظ من موت الفجأة ،
وما ينتشر في المنتديات عن ذلك الدعاء الذي يكتب لمن قاله أجر (360) حجة ، ويحفظ من موت الفجأة وغير ذلك ، إنما هو كذب موضوع لا أصل له في كتب السنة ، ولا نعلم طريقة تخفف من سكرات الموت ، إلا أن يفزع العبد إلى ربه في ذلك ، ويدعو به في العسر واليسر ، ولعلنا أن نفعل مثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ، حيث كان يدخل يديه في الماء ثم يمسح بهما وجهه ويسأل الله أن يعينه على سكرات الموت - كما تقدم - .
على أن بعض السلف كانوا يرون في هذه الشدة الرحمة كما تقدم عن
عمر بن عبد العزيز ، وروى ع
بد الله بن أحمد في "
زوائد الزهد" (ص388) عن
إبراهيم النخعي قال : "
كانوا يستحبون للمريض أن يجهد عند الموت " وعن
منصور : "
أن إبراهيم كان يحب شدة النزع ".
ولا ولن ينجو من هذه الشدة إلا الشهيد ، فقد روى الإمام
أحمد (7953) ، و
الترمذي (1668) وصححه ، و
النسائي (3161) ، و
ابن ماجة (2802) عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسِّ الْقَرْصَةِ "
الراوي : أبو هريرة | المحدث : أحمد شاكر في مسنده: 15/99 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح قال
المناوي رحمه الله :
"
يعني أنه تعالى يهون عليه الموت ويكفيه سكراته وكربه ، بل رب شهيد يتلذذ ببذل نفسه في سبيل الله طيبة بها نفسه ؛ كقول خبيب الأنصاري حين قتل:
ولست أبالي حين أقتل مسلما .... علي أي جنب كان لله مصرعي "
انتهى من " فيض القدير" (4/ 182) . [color=#cc3300]ثم ان الأعمال الصالحة التي أمر به الله بها وحض عليها ربنا وبينها نبينا - عليه الصلاة والسلام - هي من أفضل ما يتقرب به العبد من ربه ومولاه ، وويجب ان تكون موافقة للشرع ، وعلى فاعلها و صاحبها ان يكون مُخلصاً لله بها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية العبادة هي: "
اسم جامعٌ لكل ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرو والباطنة "
و منها :
1.
الإيمان بالله الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشرِّه:
2.
والصلاة على وقتها.
3.
والحج المبرور:
أ- أن يكون من مالٍ حلال .
ب- أن يبتعد عن الفسق والإثم والجدال فيه .
ج- أن يأتي بالمناسك وفق السنَّة النبويَّة .
د- أن لا يرائي بحجه ، بل يخلص فيه لربه .
هـ- أن لا يعقبه بمعصية أو إثم .4.
بر الوالدين ، فطاعتهما في طاعة الله تعالى ، ولا يجوز طاعتهما في معصية5.
الجهاد في سبيل الله6.
الحب في الله ولله ، لا لحاجة او مصلحة او منفعة دنيوية، والبغض فيه سبحانه.
7.
تلاوة القرآن وتدبره والعمل به وباحكامه و نواهيه.
8.
المداومة على الطاعات والصدقات والدعاء والاستغفار.
9.
أداء الأمانات والوفاء بالعهود والنذور و رد الديون.
10.
العفو والصفح والمسامحة عن المخطئين من الارحام و الناس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم "
ما ازداد عبدٌ بعفوٍ إلا عزّاً "
رواه مسلم ( 2588 )11.
الصدق في الحديث في كل الاحوال ، حتى في المزاح.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
...ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صِدِّيقاً "
رواه مسلم ( 2607 ) "
12.
النفقة في سبيل الله في اي وجه يرضاه الله ويحبه وبينه رسوله - عليه الصلاة والسلام -.
وتشمل النفقة في الجهاد ، وعلى الوالدين والفقراء والمساكين والمحتاجين ، وفي بناء المساجد ، وفي طباعة المصاحف والكتب الإسلاميَّة ، والنفقة على الأهل والأولاد .13.
كف اللسان عن الغيبة والنميمة والبهتان والقيل والقال والخوض في الاعراض وقذف المحصنات الغافلات.
14.
إطعام الطعام - للبشر والدواب - وافشاء السلام على من عرفنا ومن لم نعرف.
15-
اعانة الملهوف والمظلوم والغارم والمدين والمسكين واليتيم والمحتاج .
فقد صح في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام عن بعض الأعمال الصالحة لما روى البيهقي عن
أبي ذر قال :
قلت : قلت يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار؟ قال " الإيمان بالله " ، قلت يا رسول الله إن مع الإيمان عملا، قال " يرضخ مما رزقه الله" ، قلت يا رسول الله أرأيت إن كان فقيرا لا يجد ما يرضخ به ، قال " يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر " ، قال قلت يا رسول الله أرأيت إن كان غنيا لا يستطيع أن يأمر بالمعروف و [ لا ] ينهى عن المنكر قال" يصنع لأخرق "، قلت أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئا قال " يعين مغلوبا " ، قلت أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مغلوبا قال " ما تريد أن تترك في صاحبك من خير يمسك عن أذى الناس"، فقلت يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة قال " ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة".
الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : الهيثمي في مجمع الزوائد: 3/138 | خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات والله أعلم .