ما معنى دعاء ( حسبي الله ونعم الوكيل ) وما هي مرتبته عند الله سبحانه وتعالى ، هل هي أعلى رتبة في دعوة المظلوم على الإطلاق ، ومتى يقوله المسلم ، وهل قوله في حق المسلم فعل شنيع .
سمعت شيخا من العلماء يقول إنه " لا يجوز الطعن في هذا الدعاء بعد قوله "، أي - على حسب فهمي - لا يجوز الرجوع على هذا الدعاء ، فقوله يُعد نهائيا ، إذا كان هذا الكلام صحيحا فماذا بقي للظالم الذي رُفع ضده هذا الدعاء أن يفعله مع نفسه والمظلوم ، هل من كفارة ، هل لمن له حظ من العلم بخطورة هذا الدعاء أن يقول " أرجو من الله أن لا يقوله في حقي بشر أبدا " ؟الجواب :
الحمد لله
"
حسبي الله ونعم الوكيل "
من أعظم الأدعية الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة ، ويمكننا تفصيل الحديث عن هذا الدعاء في المطالب الآتية :
أولا :
دليل مشروعية الدعاء وردت مشروعيته في القرآن الكريم في حكاية الله عز وجل عن الصحابة الكرام في أعقاب معركة أُحُد ، في " حمراء الأسد "، وذلك حين خوَّفهم بعضُ المنافقين بأن أهل مكة جمعوا لهم الجموع التي لا تهزم ، وأخذوا يثبِّطون عزائمهم ، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا بوعد الله ، وتمسكا بالحق الذي هم عليه ، فقالوا في جواب جميع هذه المعركة النفسية العظيمة : حسبنا الله ونعم الوكيل .
يقول عز وجل : "
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ . الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ " آل عمران/172-174.
وورد في
صحيح البخاري رحمه الله (رقم/4563) أن "
حسبي الله ونعم الوكيل "
كانت على لسان أولي العزم من الرسل ، قالها
إبراهيم عليه السلام في أعظم محنة ابتلي بها حين ألقي في النار ، وقالها سيد البشر
محمد صلى الله عليه وسلم في مواجهة المشركين في " حمراء الأسد ".
فعن
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال :
" (حسبنا الله ونعم الوكيل ). قالها إبراهيمُ عليه السلام حينَ أُلْقِيَ في النارِ، وقالها محمدٌ صلى الله عليه وسلم حينَ قالوا :" إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ".
الراوي : عبدالله بن عباس المحدث : البخاري.المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 4563 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]ثانيا :
معنى هذا الدعاءيقول العلماء إن معنى :
0]]حسبنا الله[/b] :
أي
الله كافينا ، فالحسب هو
الكافي أو
الكفاية ،
والمسلم يؤمن بأن الله عز وجل بقدرته وعظمته وجلاله يكفي العبد من كل ما أهمه وأصابه ، ويرد عنه بعظيم حوله كل خطر يخافه ، وكل عدو يسعى في النيل منه .
وأما معنى : (
نعم الوكيل )
أي :
أمدح من هو قيِّم على أمورنا ، وقائم على مصالحنا ، وكفيل بنا ، وهو الله عز وجل ، فهو
أفضل وكيل ؛ لأن
من توكل على الله كفاه ، ومن التجأ إليه سبحانه بصدق لم يخب ظنه ولا رجاؤه ، وهو عز وجل أعظم من يستحق الثناء والحمد والشكر لذلك .
يقول شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله :
" أي :
الله وحده كافينا كلَّنا "
انتهى من " منهاج السنة النبوية " (7/204)ويقول الشيخ
ابن عثيمين رحمه الله :
" (
حَسْبُنَا ) أي :
كافينا في مهماتنا وملماتنا ، (
وَنِعْمَ الْوَكِيل )
إنه نعم الكافي جل وعلا ، فإنه نعم المولى ونعم النصير .
ولكنه إنما يكون ناصرا لمن انتصر به واستنصر به ، فإنه عز وجل أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ، فإذا اتجه الإنسان إليه في أموره أعانه وساعده وتولاه ، ولكن البلاء من بني آدم ، حيث يكون الإعراض كثيرا في الإنسان ، ويعتمد على الأمور المادية دون الأمور المعنوية "
انتهى من " شرح رياض الصالحين " (1/542)ثالثا :
فضل هذا الدعاء:
هو من أعظم الأدعية فضلا ؛ وأعلاها مرتبة ، وأصدقها لهجة ؛ لأنه يتضمن حقيقة التوكل على الله عز وجل ، ومَن صَدَق في لجوئه إلى ربه سبحانه حقق له الكفاية المطلقة ، الكفاية من شر الأعداء ، والكفاية من هموم الدنيا ونكدها ، والكفاية في كل موقف يقول العبد فيه هذه الكلمة يكتب الله عز وجل له بسببها ما يريده ، ويكتب له الكفاية من الحاجة إلى الناس ، فهي اعتراف بالفقر إلى الله ، وإعلان الاستغناء عما في أيدي الناس .
ومع ذلك ، فننبه إلى أنه لم يرد في حديث خاص أن من قالها كان له من الأجر كذا وكذا ، لكن قول الله سبحانه وتعالى : "
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا " الطلاق/3، ؛
دليل على أن من توكل على الله حق التوكل ، وعده الله سبحانه أن يكفيه ما أهمه ، ويكون حسيبه وحفيظه ، فلا يحتاج إلى شيء بعده ، وكفى بذلك فضلا وثوابا ؛ فإن من كفاه الله سَعِدَ في الدنيا والآخرة بقدرة الله وعزته وحكمته ، ولذلك قال تعالى في الآية الأخرى : "
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " الأنفال/49، بل كان جزاء المؤمنين في أعقاب "
أُحُد " حين قالوا هذه الكلمة أن رجعوا بفضل الله عز وجل وكرامته وحفظه : "
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ " آل عمران/174.
ينظر: " زاد المعاد " (2/330)رابعا :
مواضع مناسبة الدعاء بـ " حسبنا الله ونعم الوكيل ":
يناسب هذا الدعاء كل موقف يصيب المسلم فيه هم أو فزع أو خوف ، وكذلك كل ظرف شدة أو كرب أو مصيبة ، فيكون لسان حاله ومقاله الالتجاء إلى الله ، والاكتفاء بحمايته وجنابه العظيم عن الخلق أجمعين .
وقد ورد في ذلك
حديث ضعيف جدا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
إِذا وَقَعْتُمْ فِي الأَمْرِ العَظِيمِ فَقُولوا : حَسْبُنا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ )
رواه ابن مردويه ، انظر " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (رقم/7002).وأفضل حالا منه حديث يرويه سَيْف ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) رواه أبوداود (رقم/3627) .
الراوي : عوف بن مالك الأشجعي المحدث : الألباني.المصدر : ضعيف أبي داود الصفحة أو الرقم: 3627 خلاصة حكم المحدث : ضعيف
المصدر : عمدة التفسير الصفحة أو الرقم: 1/441 خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
المصدر : تخريج مشكاة المصابيح الصفحة أو الرقم: 3/496 خلاصة حكم المحدث : [حسن كما قال في المقدمة]
المصدر : السنن الكبرى الصفحة أو الرقم: 10387 خلاصة حكم المحدث : [فيه] سيف لا أعرفهوالحديث ضعيف أيضا ، ضعفه العلماء بسبب جهالة سيف ، قال النسائي : سيف لا أعرفه . كما في " السنن الكبرى " (6/160) وإن كان العجلي قال فيه : شامي تابعي ثقة ، ولكن العلماء لا يعتمدون على توثيق العجلي ، وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود ".
ولكن معناه صحيح ، تشهد له الأحاديث الصحيحة الواردة في الباب ، منها حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُمْ : قُولُوا : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا "
رواه الترمذي (رقم/2431) وقال : هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه هذا الحديث عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وصححه الألباني في " صحيح الترمذي "، وفي " السلسلة الصحيحة " (رقم/1079)
الراوي : أبو سعيد الخدري المحدث : الألباني.المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 2431 خلاصة حكم المحدث : صحيح ولذلك بوّبَ
النسائي على هذا الدعاء بقوله : "
مَا يَقُول إذا خَافَ قوما "
انتهى من " عمل اليوم والليلة " (ص/392) وذكره
ابن القيم رحمه الله في " ا
لفصل التاسع عشر في الذكر عند لقاء العدو ومن يخاف سلطاناً وغيره "
انتهى من " الوابل الصيب " (ص/114) ونلاحظ مما سبق أن هذا الدعاء يمكن أن يقال في مواجهة المسلم الظالم ، وليس فقط الكافر ، كما يمكن أن يلجأ إليه المهموم أو المكروب أو الخائف بسبب تعدي أحد المسلمين . وأما الظالم الذي قيل في حقه هذا الدعاء فليس له إلا التوبة الصادقة ، وطلب العفو ممن ظلمهم وانتهك حقوقهم ، ورد المظالم إلى أهلها ؛ وإلا فإن الله عز وجل سيكون خصمه يوم القيامة ، وغالبا ما يعجل له العقوبة في الدنيا ، فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب .
والله أعلم .