"
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ " . (سورة الدخان:29)
قال تعالى :"
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَن لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ *وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَٰؤُلَاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ * فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ * كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ".
(الدخان : 17-29) جاء في
تفسير الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى :"
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ"
يقول تعالى ذكره:
فما بكت على هؤلاء الذين غرّقهم الله في البحر، وهم فرعون وقومه، السماء والأرض،
وقيل:
إن بكاء السماء حمرة أطرافها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن الحكم بن ظهير، عن
السديّ قال:
لما قتل الحسين بن عليّ رضوان الله عليهما بكت السماء عليه ، وبكاؤها حمرتها.
حدثني عليّ بن سهل، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن
عطاء في قوله (
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) قال:
بكاؤها حمرة أطرافها.
وقيل: إنما قيل (
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ )
لأن المؤمن إذا مات، بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا، ولم تبكيا على فرعون وقومه، لأنه لم يكن لهم عمل يَصعْد إلى الله صالح، فتبكي عليهم السماء، ولا مسجد في الأرض، فتبكي عليهم الأرض.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن المنهال، عن
سعيد بن جُبير، قال: أتى ابن عباس رجل، فقال: يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى (
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ )
فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال:
نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينـزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينـزل منه رزقه، بكى عليه ؛ وإذا فقده مُصَلاه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير، قال: فلم تبك عليهم السماء والأرض.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ويحيى قالا حدثنا سفيان، عن منصور، عن
مجاهد، قال: كان يقال:
تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحًا.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي يحيى القَتَّات، عن مجاهد، عن ابن عباس بمثله.
حدثني يحيى بن طلحة ، قال: حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن
مجاهد، قال:
حُدثت أن المؤمن إذا مات بكت عليه الأرض أربعين صباحا.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: حدثنا بكير بن أبي السميط، قال: حدثنا قتادة، عن
سعيد بن جُبير أنه كان يقول:
إن بقاع الأرض التي كان يصعد عمله منها إلى السماء تبكي عليه بعد موته، يعني المؤمن.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن المنهال، عن سعيد بن جُبير، عن
ابن عباس (
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) قال:
إنه ليس أحد إلا له باب في السماء ينـزل فيه رزقه ويصعد فيه عمله، فإذا فُقِد بكت عليه مواضعه التي كان يسجد عليها، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يقبل منهم، فيصعد إلى الله عزّ وجلّ، فقال مجاهد: تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحا.
حدثنا يحيى بن طلحة، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن صفوان بن عمرو، عن
شريح بن عبيد الحضرمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
إنَّ الإسْلامَ بَدَأ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا، ألا لا غُرْبَةَ عَلى المُؤْمِن، ما ماتَ مُؤْمِنٌ فِي غُرْبَةٍ غَابَتْ عَنْهُ فِيهَا بَوَاكِيهِ إلا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّماءُ والأرْضُ"، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ )، ثم قال: "
إنَّهُما لا يَبْكِيانِ على الكافر ".
"
إنَّ الإسلامَ بدأ َغريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدَأ، أ
لا لا غُربةَ على مؤمنٍ ما ماتَ مؤمنٌ في غربةٍ غابَتْ عنه فيها بَوَاكِيِه إلا بكتِ عليه السماءُ والأرضُ ثم قرأ رسول ُالله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم {
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ والْأَرْضُ } ثم قال :
إنهما لا يبكيانِ على كافرٍ "
الراوي : شريح بن عبيد | المحدث : الشوكاني في فتح القدير: 4/808 | خلاصة حكم المحدث : مرسل . حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن
ابن عباس، قوله (
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ )... الآية، قال:
ذلك أنه ليس على الأرض مؤمن يموت إلا بكى عليه ما كان يصلي فيه من المساجد حين يفقده، وإلا بكى عليه من السماء الموضعُ الذي كان يرفع منه كلامه، فذلك لأهل معصيته: ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) لأنهما يبكيان على أولياء الله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن
قتادة، قوله (
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت
الضحاك يقول في قوله (
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) يقول:
لا تبكي السماء والأرض على الكافر، وتبكي على المؤمن الصالح معالمُه من الأرض ومقرُّ عمله من السماء.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن
قتادة، في قوله (
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) قال:
بقاع المؤمن التي كان يصلي عليها من الأرض تبكي عليه إذا مات، وبقاعه من السماء التي كان يرفع فيها عمله.
------------------------
جاء
تفسير الوسيط للطنطاوي:
فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ.
أى: أن هؤلاء المغرقين، الذين كانوا ملء السمع والبصر، وكانوا يذلون غيرهم، وكانوا يملكون الجنات والعيون ... هؤلاء الطغاة، لم يحزن لهلاكهم أحد من أهل السموات أو أهل الأرض، ولم يؤخر عذابهم لوقت آخر في الدنيا أو في الآخرة، بل نزل بهم الغرق والدمار بدون تأخير أو تسويف..
فالمقصود من الآية الكريمة بيان هوان منزلة هؤلاء المغرقين، وتفاهة شأنهم، وعدم أسف أحد على غرقهم، لأنهم كانوا ممقوتين من كل عاقل..
قال صاحب الكشاف ما ملخصه: كان العرب إذا مات فيهم رجل خطير قالوا في تعظيم مهلكه: بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح، وأظلمت له الشمس..
ق
ال
جرير في رثاء
عمر بن العزيز:
ن
عى النعاة أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حج بيت الله واعتمرا
حملت أمرا عظيما فاصطبرت له ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
الشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكى عليك نجوم الليل والقمراوقالت
ليلى بنت طريف الخارجية، ترثى أخاها
الوليد:
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف وذلك على سبيل التمثيل والتخييل، مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه.
وفي الآية تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده، فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض. يعنى فما بكى عليهم أهل السماء والأرض، بل كانوا بهلاكهم مسرورين..
وقال الإمام أبن كثير: قوله:
فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ.. أى:
لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكى على فقدهم، ولا لهم بقاع في أرض عبدوا الله فيها ففقدتهم فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا..
------------------------
قال
القرطبي في تفسيره:
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ وقيل : في الكلام إضمار ، أي :
ما بكى عليهم أهل السماء والأرض من الملائكة ، كقوله تعالى : "
واسأل القرية " ،
بل سروا بهلاكهم ، قاله الحسن .
وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه - ثم تلا - فما بكت عليهم السماء والأرض ، يعني أنهم لم يعملوا على الأرض عملا صالحا تبكي عليهم لأجله ، ولا صعد لهم إلى السماء عمل صالح فتبكي فقد ذلك .
" ما من عبدٍ إلَّا وله في السماءِ بابانِ بابٌ يدخلُ عملُهُ وبابٌ يخرجُ فيه عملُه وكلامُه فإذا ماتَ فقَدَاه وبَكَيَا عليه وتَلَا هذِهِ الآيَةَ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ فذكر أنهم لم يكونوا يعملونَ على الأرضِ عملًا صالِحًا يَبْكِي عليهم ولم يصعَدْ لهم إلى السماءِ من كلامِهِم ولا عمَلِهم كلامٌ طيبٌ ولا عملٌ صالحٌ فيفقدُهم فيبْكي عليهم "
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الهيثمي في مجمع الزوائد:7/108 | خلاصة حكم المحدث : فيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف
وقال مجاهد : إن السماء والأرض يبكيان على المؤمن أربعين صباحا .
قال أبو يحيى : فعجبت من قوله فقال : أتعجب! وما للأرض لا تبكي على عبد يعمرها بالركوع والسجود! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل! .
وقال علي وابن عباس - رضي الله عنهما - : إنه يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء .
وتقدير الآية على هذا : فما بكت عليهم مصاعد عملهم من السماء ولا مواضع عبادتهم من الأرض . وهو معنى قول سعيد بن جبير . وفي بكاء السماء والأرض ثلاثة أوجه : أحدها أنه كالمعروف من بكاء الحيوان .
ويشبه أن يكون قول مجاهد .
وقال شريح الحضرمي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء يوم القيامة قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال - هم الذين إذا فسد الناس صلحوا - ثم قال - ألا لا غربة على مؤمن وما مات مؤمن في غربة غائبا عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض - ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما بكت عليهم السماء والأرض ثم قال : ألا إنهما لا يبكيان على الكافر" .(
والحديث مرسل)
قلت - القرطبي -: وذكر أبو نعيم محمد بن معمر قال : حدثنا أبو شعيب الحراني قال حدثنا يحيى بن عبد الله قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني
عطاء الخراساني قال :
ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت .
وقيل : ب
كاؤهما حمرة أطرافهما ، قاله
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - و
عطاء والسدي والترمذي محمد بن علي وحكاه عن
الحسن .
قال
السدي :
لما قتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما بكت عليه السماء ، وبكاؤها حمرتها .
وحكى
جرير عن يزيد بن أبي زياد قال :
لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما احمر له آفاق السماء أربعة أشهر .
قال
يزيد :
واحمرارها بكاؤها .
وقال
محمد بن سيرين :
أخبرونا أن الحمرة التي تكون مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما - . وقال سليمان القاضي : مطرنا دما يوم قتل الحسين .
قلت - القرطبي -: روى الدارقطني من حديث مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
الشفق الحمرة .
عنِ ابنِ عُمَرَ قال:"
الشَّفَقُ الحُمرَةُ"
الراوي : نافع مولى ابن عمر | المحدث : البيهقي | المصدر : السنن الكبرى للبيهقي : 1/373 | خلاصة حكم المحدث : روي مرفوعاً وموقوفاً والصحيح موقوف وعن
عبادة بن الصامت وشداد بن أوس قالا :
الشفق شفقان : الحمرة والبياض ، فإذا غابت الحمرة حلت الصلاة .
وعن أبي هريرة قال : الشفق الحمرة . وهذا يرد ما حكاه ابن سيرين . وقد تقدم في (
سبحان ) عن قرة بن خالد قال :
ما بكت السماء على أحد إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي ، وحمرتها بكاؤها .
وقال
محمد بن علي الترمذي : "
البكاء إدرار الشيء فإذا أدرت العين بمائها قيل بكت ، وإذا أدرت السماء بحمرتها قيل بكت ، وإذا أدرت الأرض بغبرتها قيل بكت ؛ لأن المؤمن نور ومعه نور الله ، فالأرض مضيئة بنوره وإن غاب عن عينيك ، فإن فقدت نور المؤمن اغبرت فدرت باغبرارها ؛ لأنها كانت غبراء بخطايا أهل الشرك ، وإنما صارت مضيئة بنور المؤمن ، فإذا قبض المؤمن منها درت بغبرتها".
وقال
أنس :
لما كان اليوم الذي دخل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة أضاء كل شيء ، فلما كان اليوم الذي قبض فيه أظلم كل شيء ، وإنا لفي دفنه ما نفضنا الأيدي منه حتى أنكرنا قلوبنا .
عن أنسٍ قال "
لما قُبِضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أظلمتِ المدينةُ حتى لم ينظرْ بعضُنا إلى بعضٍ وكان أحدُنا يبسط يدَه فلا يراها أو لا يُبصرُها وما فرغنا من دفنِه حتى أنكرْنا قلوبَنا"
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : ابن كثير | المصدر : البداية والنهاية : 5/240 | خلاصة حكم المحدث : غريب وأما
بكاء السماء فحمرتها كما قال الحسن .
وقال
نصر بن عاصم :
إن أول الآيات حمرة تظهر ، وإنما ذلك لدنو الساعة ، فتدر بالبكاء لخلائها من أنوار المؤمنين .
وقيل : بكاؤها أمارة تظهر منها تدل على أسف وحزن .
قلت - القرطبي - : والقول الأول أظهر ، إذ لا استحالة في ذلك . وإذا كانت السماوات والأرض تسبح وتسمع وتتكلم كما بيناه في (
سبحان ) و (
مريم ) و (
حم ) و (
فصلت ) ) فكذلك تبكي ، مع ما جاء من الخبر في ذلك والله أعلم بصواب هذه الأقوال .
------------------------
قال
السعدي في تفسيره:
{
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ } أي:
لما أتلفهم الله وأهلكهم لم تبك عليهم السماء والأرض أي: لم يحزن عليهم ولم يؤس على فراقهم، بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم حتى السماء والأرض لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين.
------------------------
قال
ابن عاشور في
التحرير والتنوير:
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ تفريع على قوله : {
كم تركوا من جنات } إلى قوله : {
قوماً آخرين }
[ الدخان : 25 28 ] ،
فإن ذلك كله يتضمن أنهم هلكوا وانقرضوا ، أي فما كان مُهلَكُهم إلا كمُهلَك غيرهم ولم يكن حدثاً عظيماً كما كانوا يحسبون ويحسب قومُهم ، وكان من كلام العرب إذا هلك عظيم أن يهوِّلوا أمر موته بنحو : بَكت عليه السماء ، وبكته الريح ، وتزلزلتْ الجبال ، قال النابغة في توقع موت النعمان بن المنذر من مرضه: ...
فإن يهلك أبو قابوس يهلِك ربيعُ الناس والبلدُ الحرام وقال في رثاء
النعمان بن الحارث الغسانيبكَى حارثُ الجَولان من فقد ربه وحَوْران منه موحَش مُتضائل والكلام مسوق مساق التحقير لهم ، وقريب منه قوله تعالى : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } [ إبراهيم : 46 ] ، وهو طريقة مسلوكة وكثر ذلك في كلام الشعراء المحدثين ، قال أبو بكر بن اللَّبَّانَةِ الأندلسي في رثاء المعتمد بن عباد ملك إشبيلية : تبكي السماء بمزن رائححٍ غَاد على البهاليل من أبناء عَباد
والمعنى : فما كان هلاكهم إلا كهلاك غيرهم وَلا أنظروا بتأخير هلاكهم بل عجّل لهم الاستئصال .