الغُلول المحرَّم : ومنه التعدّي على المال العام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الإنسان في هذه الحياة الدنيا لم يُخلق عبثاً ولا سدىً، وإنما خُلق ليعبد الله تعالى وحده لا شريك له.
ومن جملة ما يعبد به الإنسانُ ربَّه أنه يسعى في رزقه ورزق عياله ومن وجبت عليه نفقته؛ لينفق على نفسه وعليهم بما يكفيهم ويسد حاجتهم بالمعروف، ويكفي نفسه الكسب الحرام.
والإنسان في سعيه وطلبه للرزق قد يقع في أشياء لا تُرضي الله تعالى، بل تُغضبه جلَّ وعلا؛ فتكون عاقبتها الخسارة في الدنيا والآخرة، ومن ذلك أخذ حقِّ الغير، والانتفاع بمقدَّرات الدولة بغير وجه حق، واستعمال الأموال العامة في النفقات الشخصية... وكل هذه الأشياء تُفضي بصاحبها إلى النار، وتُعدُّ من الغلول المحرم.
فيجب على الإنسان أنْ يحترز عن الوقوع في الغلول من المال العام؛ أي الأخذ منه والتعدي عليه بغير وجه حق.
معنى الغلول:
والغلول بضمتين : الخيانة في الغنيمة وفى مال الفيء. ( رواه أبو داود ) : كذا الحاكم .
الغلول - في اللغة -: يقال: "غَلَّ من المْغَنَم يَغُلُّ - بالضم - غُلولاً: خان" محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، ص229.
وفي الاصطلاح: هو "أَخْذُ مَا لَمْ يُبَحْ الانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ حَوْزِهَا" محمد بن قاسم الأنصاري، شرح حدود ابن عرفة، (1/ 310).
ويُقاس على الغلول الاختلاس من المال العام، وهو الأخذ منه بغير وجه حقٍّ؛ بجامع عدم إباحة الانتفاع بكلٍّ قبل الحَوْزِ.
حرمة الغلول وأدلَّتها:
قال تعالى: " وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " آل عمران/161.
وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النبي - عليه السلام - قَالَ :" مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبُ وَلَا فَشَا الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا كَثُرَ فِيهِمْ الْمَوْتُ وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمْ الرِّزْقُ وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الدَّمُ وَلَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ " البخاري 998
قال الطبري: "بمعنى: أنْ يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم من أموال أعدائهم".
محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، (7/ 348).
وقال القرطبي: "أما قوله تعالى: " وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "؛ أي يأتي به حاملاً له على ظهره ورقبته، معذَّباً بحمله وثقله، ومرعوباً بصوته، وموبَّخاً بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد، وهذه فضيحة يوقعها الله تعالى بالغالِّ". محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، (4/ 256).
وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قامَ فينا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يَوْمٍ، فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ قَالَ:
" لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ الله أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ الله أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ "
متفق عليه واللفظ لمسلم.
صامت: أي ذهب وفضة، وهو ما لا صوت له خلاف الحيوان.
قوله عز وجل : ( وما كان لنبي أن يغل ) الآية روى عكرمة ومقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن هذه الآية نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز للغنيمة وقالوا : نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر ، فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري " ؟ قالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم " فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه " .
وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه "
عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا وقال:" اغزوا بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال أيتها أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وادعهم إلى الإسلام والتحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فإن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين وإن أبوا أن يتحولوا فأخبرهم أنهم يكونوا كأعراب المسلمين يجري عليهم ما يجري على الأعراب ليس لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم وإذا حاصرت حصنا فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه واجعل لهم ذمتك وذمم أصحابك لأنكم إن تخفروا ذمتكم وذمم أصحابكم خير من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلوهم ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا " أو نحو هذا .
حديث حسن صحيح، وأخرجه مسلم
وعن سعيد المقبري قال : سمعت أبا هريرة ، وكنت جالسا عنده فقال أبو هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " إن نبيا من الأنبياء قاتل أهل مدينة حتى إذا كاد أن يفتتحها ، خشي أن تغرب الشمس فقال لها : أيتها الشمس إنك مأمورة وأنا مأمور بحرمتي عليك ، إلا ركدت ساعة من النهار قال : فحبسها الله حتى افتتحها ، وكانوا إذا أصابوا الغنائم قربوها في القربان ، فجاءت النار ، فأكلتها ، فلما أصابوا ، وضعوا القربان ، فلم تجئ النار تأكله ، فقالوا : يا نبي الله ما لنا لا يقبل قرباننا ؟ قال : فيكم غلول قالوا : وكيف لنا أن نعلم من عنده الغلول ؟ قال : وهم اثنا عشر سبطا قال : يبايعني رأس كل سبط منكم فبايعه رأس كل سبط قال : فلزقت كف النبي بكف رجل منهم فقال له : عندك الغلول فقال : كيف لي أن أعلم عند أي سبط هو ؟ قال : تدعو سبطك فتبايعهم ، رجلا رجلا قال : ففعل فلزقت كفه بكف رجل الغنائم ، فجاءت النار فأكلته " فقال كعب : صدق الله ورسوله هكذا والله في كتاب الله يعني في التوراة ثم قال :" يا أبا هريرة أحدثكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي نبي كان ؟ قال : لا . قال كعب : هو يوشع بن نون . قال : فحدثكم أي قرية هي ؟ قال : لا . قال : هي مدينة أريحا " " هذا حديث غريب صحيح ولم يخرجاه .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة ، فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو في النار " فذهبوا ينظرون فوجدوا عباءة قد غلها . رواه البخاري .
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من يكتم غالا فإنه مثله " . رواه أبو داود .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " أدوا الخياط والمخيط ، وإياكم والغلول ، فإنه عار على أهله يوم القيامة " . رواه الدارمي .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : حدثني عمر رضي الله عنه قال : " لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد ، وفلان شهيد ، حتى مروا على رجل ، فقالوا : فلان شهيد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلا إني رأيته في النار في بردة غلها ، أو عباءة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس : أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون " ثلاثا . قال : فخرجت فناديت : ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ، ثلاثا . رواه مسلم .
الغلول كبيرة من الكبائر:
ففي الصحيح عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً، إِلاَّ الأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ، فَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلاَمًا يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى، حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلاً لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَلاَّ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا). فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ " رواه البخاري.
أشكال التعدّي على المال العام:
1.الاختلاس: الأخذ من المال العام بغير وجه حقٍّ:
وهو محرم حتى لو أخذ ذلك بتأوُّل (أي بشبهة يظنُّ بها حِلَّ ما أخذه وحكمه في الحقيقة الحرمة) مثل الذين يبرمون العقود لصالح الدّولة، فيأخذون ما يسمّى (عمولة وساطة) أو (سمسرة)، ولو من الطرف المقابل، لأنه على حساب العمل، وإنما له رزقه (أي راتبه ومخصصاته) فقط.
فعن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عن النَّبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَن اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا؛ فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ " رواه الحاكم.
وعن معاذ بن جَبَل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فلما سِرْتُ أرسل في أثَري، فَرُددتُ، فقال: " أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إلَيْكَ؟ لا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْني فَإنَّهُ غُلُولٌ، وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لهذا دَعَوْتُكَ، فَامْضِ لِعَمَلِكَ " رواه الترمذي.
2. الرِّشوة : أخْذُ المالِ لِيُحِقَّ بِهِ الْبَاطِلَ أَوْ يُبْطِلَ الْحَقَّ . ( بدر الدِّين الزركشي، المنثور في القواعد، (2/ 167).)
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَعُنَةُ الله عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي " رواه أحمد.
3. الهدايا والهبات والعطايا والدعوات:
عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مِنَ الأَسْدِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لي أُهْدِيَ لي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ الله، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: " مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لي، أَفَلاَ قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لاَ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ: بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:" اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ "
متفق عليه واللفظ لمسلم.
وعَنْه رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ " رواه أحمد.
4.الاستغلال الوظيفي :واستعمال الصّلاحيات وااستخدام المال العام للمصالح ولغير منفعة الناس.
وهو استثمار المسمى الوظيفي للخوض في كل ما هومحرم من زيادة الإنفاق دون حاجة، والمبالغة في المشتريات والكماليات كالتأثيث، وفي فخامة السيارات واستعمالها خارج نطاق العمل الرسمي، وفي المصاريف الشخصية اللغير مبررة بسلطة العمل والمنصب، أو الإجحاف باستخدام ما هو حقٌّ مكتسب لأجل الوظيفة .و الاستخدام الشخصي للسيارات، والعدد المملوكة للدولة، والقرطاسية، والتلفونات، وأجهزة الحاسوب، وآلات التصوير، والطباعة، وأي استخدام شخصيٍّ آخر لا يكون لصالح العمل الرسمي.
عن خَوْلَةَ الأنْصاريّةِ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ الله بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". صحيح البخاري
النتيجة الملخصة :
يحرُم الأخذ من مال المسلمين (أو ما يُسمّى بالمال العام) بغير حقٍّ، على أيِّ وجه كان، ويحرم أيُّ كسب يأتي على حساب الوظيفة العامة استغلالاً، وتحرم المحاباة بإعطاء الامتيازات أو الحقوق لغير مستحقيها بناء على المحسوبية في العطاءات أو الوظائف أو المنح الدراسية أو في إعطاء كلِّ من لا يستحق في أيِّ مجال كان، فهي تدخل كلها في الغلول.
ولْيُعلم أنَّ الله يدعو عباده للتوبة، حيث قال عز وجلَّ :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " التحريم/8،
فهذه بشرى للتائبين المستغفرين.
ومن كرم الله تعالى ورحمته أنْ جعل باب التوبة مفتوحاً ما لم يغرغرْ العبدُ، وما لم تَطْلُع الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها، فمن أصاب شيئاً من أموال المسلمين، فليُقبل على الله بالتوبة، مع إرجاع ما أخذ قبل أن لا يكون دينار ولا درهم.
والحمد لله رب العالمين