التبرك باثار النبي عليه الصلاة والسلام : تعريفه وفيم كان و يكون وآراء اهل العلم فيه (الرأي والرأي الآخر):أولاً :
معنى التبرك:
البركة كما جاء في
مختار الصحاح للجوهري 1/20:(
النماء والزيادة، والتَّبْرِيكُ الدعاء بالبركة ويقال بارَك الله لك وفيك وعليك وباركك ومنه قوله تعالى { أن بورك من في النار }، وقوله تعالى { فتَبَاركَ الله } أي بارك، و تَبَّركَ به تيمن به). اهـ
فالبركة: هي
النماء والزيادة والكثرة .
ومعنى
التبرك: هو
التيمن وطلب البركة.
ثانياً:
مشروعية التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم وآثاره:
وهذا محل إجماع بين السلف والخلف ، قال الإمام
النووي في شرح صحيح مسلم: "
هَذَا فِيهِ التَّبَرُّك بِآثَارِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَسَّهُ أَوْ لَبِسَهُ، أَوْ كَانَ مِنْهُ فِيهِ سَبَب، وَهَذَا نَحْو مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَأَطْبَقَ السَّلَف وَالْخَلَف عَلَيْهِ مِنْ التَّبَرُّك بِالصَّلَاةِ فِي مُصَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّوْضَة الْكَرِيمَة، وَدُخُول الْغَار الَّذِي دَخَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْر ذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا إِعْطَاؤُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَلْحَة شَعْره لِيَقْسِمهُ بَيْن النَّاس، وَإِعْطَاؤُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِقْوَة لِتُكَفَّن فِيهِ بِنْته رَضِيَ اللَّه عَنْهَا، وَجَعَلَهُ الْجَرِيدَتَيْنِ عَلَى الْقَبْرَيْنِ، وَجَمَعَتْ بِنْت مِلْحَانِ عَرَقَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَمَسَّحُوا بِوُضُوئِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلَّكُوا وُجُوههمْ بِنُخَامَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْبَاه هَذِهِ كَثِيرَة مَشْهُورَة فِي الصَّحِيح، وَكُلّ ذَلِكَ وَاضِح لَا شَكّ فِيهِ ".انتهى
التبرك معناه:
طلب البركة، وهي
زيادة الخير، و
يكون بالأعمال كالصلاة والصيام والصدقة وكل أمر شرعه الله ففيه بركة الأجر والثواب، ويكون بالذوات وآثارها فما حكم التبرك بالنبي و آثاره بعد وفاته -
صلوات ربي عليه وسلامه-؟
إن الله تعالى يبارك ما شاء من الذوات والأمكنة والأزمنة، وقد جعل البركة في جسد النبي صلى الله عليه وسلم، وما يخرج منه من عرق وبصاق، وقد ثبت تبرك أصحابه رضوان الله عليهم بذلك، وليس ذلك مستغرباً، فالله قادر على قلب هذه الأعيان وتطهيرها وتخليصها من الأذى، وجعلها شفاء ودواء، ومن الأحاديث الواردة في ذلك:
1-
ما رواه البخاري عن أبي جحيفة قال:"
خرَج علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالهاجِرَةِ، فأُتِيَ بوَضوءٍ فتوضَّأ، فجعَل الناسُ يأخُذونَ من فضلِ وَضوئهِ فيتمسَّحونَ به، فصلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الظُهرَ ركعتينِ، والعصرَ ركعتينِ، وبينَ يدَيه عَنَزَةٌ "
الراوي : وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة | المحدث : البخاري في صحيحه: 1872-
وفي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه انه :
" سمِع النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ يومَ خَيبَرَ : (
لأُعطِيَنَّ الرايةَ رجلًا يَفتَحُ اللهُ على يدَيه ) . فقاموا يَرجونَ لذلك أيُّهم يُعطى ، فغَدَوا وكلُّهم يرجو أن يُعطى ، فقال : (
أين عليٌّ ) . فقيل :
يَشتَكي عينَيه ، فأمَر فدُعِي له ، فبصَق في عينَيه ، فبَرَأ مكانَه حتى كأنَّه لم يكُنْ به شيءٌ ، فقال : نُقاتِلُهم حتى يكونوا مِثلَنا ؟ فقال : (
على رِسلِك ، حتى تَنزِلَ بساحتِهم ، ثم ادعُهم إلى الإسلامِ ، وأخبِرْهم بما يجِبُ عليهم ، فواللهِ لَأن يُهدى بك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَمِ ) .
الراوي : سهل بن سعد الساعدي | المحدث : البخاري في صحيحه: 29423-
وفي الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه في حفر الخندق وما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع، وصنع جابر لطعام قليل، ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الخندق جميعاً:
"
لما حُفِر الخندقُ رأيتُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَمصًا . فانكفأْتُ إلى امرأتي . فقلتُ لها : هل عندك شيءٌ ؟ فإني رأيتُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خمصًا شديدًا . فأخرجتْ لي جرابًا فيه صاع ٌمن شعيرٍ . ولنا بهيمةٌ داجِنٌ . قال فذبحتُها وطحنتْ . ففرغتْ إلى فراغي . فقطعتُها في بُرمتِها . ثم ولَّيتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فقالت : لا تفضَحْني برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومن معه . قال فجئتُه فسارَرْتُه . فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ! إنا قد ذبحْنا بهيمةً لنا . وطحنتُ صاعًا من شعيرٍ كان عندنا . فتعالَ أنت في نفرٍ معك . فصاح رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقال ( يا أهلَ الخندقِ ! إنَّ جابرًا قد صنع لكم سُورًا . فحَيَّهلًا بكم ) وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( لا تُنزلنَّ بُرمتَكم ولا تخبِزنَّ عجينتَكم ، حتى أجئَ ) فجئتُ وجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقدم الناسَ . حتى جئتُ امرأتي . فقالت : بِكَ . وبِكَ . فقلتُ : قد فعلتُ الذي قلتِ لي . فأخرجتُ له عجينَتَنا فبصقَ فيها وبارك . ثم عمِد إلى بُرمتِنا فبصق فيها وبارَك . ثم قال ( ادعي خابزةً فلْتخبِزْ معكِ . واقدَحي من بُرمتِكم ولا تُنزِلوها ) وهم ألفٌ . فأُقسِمُ بالله ! لأَكلوا حتى تركوه وانحرَفوا . وإنَّ بُرمَتنا لتَغَطُّ كما هي . وإنَّ عجينتَنا - أو كما قال الضحاك - لتُخبزُ كما هو ".
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم في صحيحه : 2039 4-
وروى البخاري من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في قصة الحديبية، قالا:".
.. ثم إن عروةَ جعَلَ يَرْمُقُ أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعينِه ، قال : فواللهِ، ما تَنَخَّمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةَ إلا وقَعَتْ في كفِّ رجلٍ منهم ، فدَلَّكَ بها وجهَه وجلدَه ، وإذا أمَرَهم ابتدروا أمرَه ، وإذا توضأَ كادوا يَقْتَتِلون على وضوئِه ، وإذا تكَلَّمَ خَفَضُوا أصواتَهم عندَه ، وما يُحِدُّون إليه النظرَ؛ تعظيمًا له" ، فرجَعَ عروةُ إلى أصحابِه فقال: أَيْ قومُ ،" واللهِ، لقد وفَدْتُ على الملوكِ ، ووَفَدْتُ على قَيْصَرَ، وكسرى، والنَجَاشِيِّ ، واللهِ، إن رَأَيْتُ مِلْكًا قطُّ يُعِظِّمُه أصحابُه ما يُعِظِّمُ أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم محمدًا ، واللهِ، إن تَنَخَّمَ نُخامةً إلا وقَعَتْ في كفِّ رجلٍ منهم فدَلَّك بها وجهَه وجلدَه ، وإذا أَمَرَهم ابتدروا أمرَه ، وإذا توضأَ كادوا يَقْتَتِلون على وضوئِه ، وإذا تكَلَّم خَفَّضُوا أصواتَهم عندَه ، وما يُحِدُّون إليه النظرَ؛ تعظيمًا له، وإنه قد عَرَضَ عليكم خطةَ رُشْدٍ فأَقْبَلُوها..."
الراوي : المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم | المحدث : البخاري في صحيحه: 2731 5-
جمع عرقه صلى الله عليه وسلم: روى مسلم عن
أنس بن مالك قال:
دخل علينا النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال عندنا . فعرقَ . وجاءت أمّي بقارورةٍ . فجعلت تَسْلُتُ العرقَ فيها . فاستيقظ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال " يا أم سليمٍ ! ما هذا الذي تصنعين ؟ " قالت : هذا عرقُكَ نجعلُه في طِيبنا وهو من أطيبِ الطيبِ .
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : مسلم في صحيحه : 2331 والتبرك بالآثار الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم من غير طلب الحاجة منه، ولا دعائه ، منشأه الحب والشوق الأكيد، رجاء أن يعطيهم الله الخير بالتقرب إلى نبيه وإظهار المحبة له.
والا فلا يوجد مسلم عاقل موحد موقن بالله يعتقد أن الباب والجدار والشعرة والعمامة والعصا تقضي الحاجات وتقرج الكربات .
وكذلك لا يعتقد موحد موقن بالله أن النبي عليه الصلاة والسلام أو ولي من اولياء الله كائنا من كان يقضي الحاجات ويفرج القربات و يستجيب الدعوات، بل لا يطلب ذلك ولا يرجى إلا من الله وحده عز وجل.
فالتبرك بآثار النبي كان مشهورًا و منتشرًا ومعمولاً به في عهد النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّ، فكانوا يتبركون بماء وضوئه، وثوبه وطعامه ودمه و شعره وبصاقه و نخامته وكل شيء منه، ولم ينههم النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن اي شيء من ذلك في حياته .
ولا يشرع التبرك بذوات أو آثار غيره صلَّى اللهُ عليه وسلَّ من الصالحين والاولياء مطلقا.
ولعل قائلا يقول: كان هذا التبرك معمول به في حياته صلى الله عليه وسلم ، لكن ثبت أن بعض الصحابة تبركوا بآثار النبي بعد مماته ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يمسح منبر النبي تبركًا به.
وهناك شواهد على أنهم كانوا يحتفظون بشعر النبي، كما كان الخلفاء العباسيون ومن بعدهم العثمانيون ،يحتفظون بثوب النبي تبركًا به ولا سيما في الحروب، ولم يمنعهم أحد من العلماء الكبار والفقهاء المعترف بفقههم ودينهم!.
يقال لمن قال مثل هذه الاقوال:
التبرك بما مس جسده الطاهر الشريف عليه الصلاة والسلام من وضوء أو عرق أو شعر وثوب وريق ونحو ذلك، فهذا أمر ثابت وجائز ومنتشر ومعروف عند الصحابة رضي الله عنهم، وأتباعهم لما في ذلك من الخير والبركة. وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه .
وأما التمسح بالأبواب والجدران والشبابيك والمنبر والشعر والقبر والسيف والاناء ونحوها في المسجد الحرام أو المسجد النبوي او المتاحف، فبدعة لا أصل لها، والواجب تركها لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أقره الشرع لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"
مَن أحدثَ في أمرنا هَذا مَا ليسَ منهُ فهو رَدّ ".
متفق عليه : الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري في صحيحه: 2697 . ومسلم في صحيحه:1718 رواية
مسلم: "َ
من عملَ عملا ليسَ عليهِ أمرُنا فهو ردٌّ ".
وفي
صحيح مسلم عن
جابر رضي الله عنه، قال "
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا خطب احمرَّتْ عيناه ، وعلا صوتُه واشتدَّ غضبُه . حتى كأنه مُنذِرُ جيشٍ ، يقول : " صبَّحكم ومسَّاكم ". ويقول . " بُعثتُ أنا والساعةُ كهاتَين " . ويقرنُ بين أصبعَيه السَّبَّابةَ والوُسطى . ويقول : " أما بعدُ . فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ . وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ . وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها . وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ " . ثم يقول : " أنا أَوْلى بكلِّ مؤمنٍ من نفسِه من ترك مالًا فلأهلِه . ومن ترك دَيْنًا أو ضَياعًا فإليَّ وعليَّ " . وفي رواية :
كانت خطبةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ الجمعةِ . يحمد اللهَ ويُثني عليه . ثم يقول على إثرِ ذلك ، وقد علا صوتُه . ثم ساق الحديثَ بمثله .
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم في صحيحه: 867 فالواجب على المسلمين التقيد في ذلك بما شرعه الله وسنه نبيه - قولا وفعلا و اقرارا ،
كاستلام الحجر الأسود وتقبيله، واستلام الركن اليماني ، أكل الصحابة الضب، وصلاة ركعتين قبل المغرب، وتهليل وتكبير الصحابة وهم ذاهبون من منى إلى عرفة، وقول عمر بن الخطاب للحجر الاسود .
ومما سبق يُعلم أن استلام بقية أركان الكعبة ، وبقية الجدران والأعمدة ، والتمسح بشباك وجدران الحجرة النبوية لقبر النبي عليه الصلاة والسلام ، والتمسح بمنبره :، والتبرك والتمسح بالشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية غير مشروع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يرشد إليه ولأن ذلك من وسائل الشرك. .
وعليه :
فدعاء الأنبياء والأولياء والاستغاثة بهم والنذر لهم ونحو ذلك فهو الشرك الأكبر،
وهو الذي كان يفعله كفار قريش مع أصنامهم وأوثانهم، وهكذا بقية المشركين يقصدون بذلك أنها تشفع لهم عند الله، وتقربهم إليه زلفى، ولم يعتقدوا أنها هي التي تقضي حاجاتهم وتشفي مرضاهم وتنصرهم على عدوهم، كما بين الله سبحانه ذلك عنهم في قوله سبحانه:"
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ ..."
سورة يونس:18فرد عليهم سبحانه بقوله:"
قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ".
وقال عز وجل :"
فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ".
سورة الزمر:2-3وقال عز وجل :"
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ".
سورة فاطر:13-14 قال شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله
في الفتاوى ص 157 ج 1 :
"
والمشركون الذين وصفهم الله ورسوله بالشرك أصلهم صنفان: قوم نوح ، وقوم إبراهيم . فقوم نوح كان أصل شركهم العكوف على قبور الصالحين ثم صوروا تماثيلهم، ثم عبدوهم، وقوم إبراهيم كان أصل شركهم عبادة الكواكب والشمس والقمر وكل من هؤلاء يعبدون الجن، فإن الشياطين قد تخاطبهم، وتعينهم على أشياء، وقد يعتقدون أنهم يعبدون الملائكة، وإن كانوا في الحقيقة إنما يعبدون الجن، فإن الجن هم الذين يعينونهم، ويرضون بشركهم قال الله تعالى:"
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ . قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ" ."
سورة سبأ:41.........................
ما صحة وجود شعرات للنبي عليه الصلاة والسلام في متاحف مصر وتركيا وغيرها؟
وما دليل صحة نسبتها للنبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ومكان وجودها ؟
ولو وجدت هل يجوز الطواف بها والتبرك بها؟ ليس هناك ما يفيد ثبوت وجود شعرات للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا العصر، وإذا ثبت وجودها جاز لمن وجدها أن يتبرك بها لما ثبت من تبرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بشعره .
وأما الطواف بها على المصلين ليتبركوا فإنه ليس من عمل السلف، فلم يثبت عن بعض الصحابة الذين كان عندهم بعض شعره صلى الله عليه وسلم أنه كان يعرضه على الناس ليتبركوا به .
...........................
هل يجوز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وهل له شروط؟ق
ال العلامة المحدث الفقيه
محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ، في كتابه (
التوسل ) :
"
هذا ولابد من الإشارة إلى أننا نؤمن بجواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ، ولا ننكره خلافاً لما يوهمه صنيع خصومنا ، ولكن لهذا التبرك شروطاً منها :
الإيمان الشرعي المقبول عند الله، فمن لم يكن مسلماً صادق الإسلام ، فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا ، كما يشترط للراغب في التبرك أن يكون حاصلاً على أثر من آثاره صلى الله عليه وسلم ويستعمله ، ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر أو فضلات قد فقدت ، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين، وإذا كان الأمر كذلك فإن التبرك بهذه الآثار يصبح أمراً غير ذي موضوع في زماننا هذا ، ويكون أمراً نظرياً محضاً، فلا ينبغي إطالة القول فيه.
ولكن ثمة أمر يجب تبيانه وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن أقر الصحابة في غزوة الحديبية وغيرها على التبرك بآثاره والتمسح بها ، وذلك لغرض مهم وخاصة في تلك المناسبة وذلك الغرض هو إرهاب كفار قريش وإظهار مدى تعلق المسلمين بنبيهم ، وحبهم له وتفانيهم في خدمته وتعظيم شأنه، إلا أن الذي لا يجوز التغافل عنه ولا كتمانه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد تلك الغزوة رغّب المسلمين بأسلوب حكيم وطريقة لطيفة عن هذا التبرك ، وصرفهم عنه، وأرشدهم إلى أعمال صالحة خير لهم منه عند الله عز وجل وأجدى .
وهذا ما يدل عليه الحديث الآتي:
" عن عبد الرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ يوماً فجعل أصحابه يتمسحون بوضوئه .فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يحملكم على هذا؟" قالوا: حب الله ورسوله.فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يحب الله ورسوله ، أو يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدث ، وليؤد أمانته إذا اؤتمن ، وليحسن جوار من جاوره". "
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح. 4990 :كتاب الآداب. باب الشفقة والرحمة على الخلقالألباني | المصدر : تخريج مشكاة المصابيح : 4920 | خلاصة حكم المحدث : حسن ...........................
الرأي الأخر في التبرك بالاثار النبوية: اعتمد اصحاب هذا الرأي على ادلة منها:
1
- مارواه البخاري ومسلم، أن
عِتبانَ بنَ مالكٍ ، وهو من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ممَّن شهِدَ بدرًا من الأنصارِ : أنه أتَى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال :
"
يا رسولَ اللهِ، قد أنكَرْتُ بصَري، وأنا أصلَّي لقومي، فإذا كانتِ الأمطارُ، سال الوادي الذي بيني وبينهم، لم أستطِعْ أن آتيَ مسجدَهم فأصليَ بهم، ووَدِدْتُ يا رسولَ اللهِ، أنك تأتيني فتصلِّي في بيتي، فأتخِذَه مصلًّى، قال : فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : سأفعلُ إن شاء اللهُ . قال عِتبانُ : فغَدا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكرٍ حين ارتفَع النهارُ، فاستأذَن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأذِنتُ له، فلم يجلِسْ حتى دخَل البيتَ، ثم قال : أين تُحِبُّ أن أصليَ من بيتِك . قال : فأشَرْتُ إلى ناحيةٍ من البيتِ، فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فكبَّرَ، فقُمنا فصفَفنا، فصلَّى ركعتين ثم سلَّم، قال : وحبَسْناه على خَزيرَةٍ صنَعناها له، قال : فثاب في البيتِ رجالٌ من أهلِ الدارِ ذَوُو عددٍ، فاجتمَعوا، فقال قائلٌ منهم : أين مالكُ بنُ الدُّخَيشِنِ أو ابنُ الدُّخشُنِ ؟ فقال بعضُهم : ذلك منافقٌ لا يُحِبُّ اللهَ ورسولَه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : لا تقُلْ ذلك، ألا تَراه قد قال لا إلهَ إلا اللهٌ، يُريدُ بذلك وجهَ اللهِ . قال : اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال : فإنا نرَى وجهَه ونصحيتَه إلى المنافقين، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : فإن اللهَ قد حرَّم على النارِ مَن قال لا إلهَ إلا اللهُ، يبتَغي بذلك وجهَ اللهِ ".".
الراوي : عتبان بن مالك | المحدث : البخاري في صحيحه: 425 . ومسلم:33 والشاهد في الحديث قول عِتبان رضي الله عنه (
فأتخذه مصلى) و
في إقرار النبي –صلى الله عليه وسلم- ومعنى قول عتبان هذا:
لأتبرك بالصلاة في المكان الذي ستصلي فيه.
2
- ما رواه البخاري ومسلم من حديث
يزيد بن أبي عبيد قال:"
كنتُ آتي مع سَلَمَةَ بنِ الأكوَعِ، فَيُصلِّي عندَ الأُسطُوانَةِ التي عندَ المُصحفِ،، فقُلْت : يا أبا مُسْلِمٍ، أراكَ تَتَحَرَّى الصلاةَ عندَ هذهِ الأُسطوانَةِ؟ قال : فإني رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَحَرَّى الصلاةَ عِندَها ".
الراوي : يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع | المحدث : البخاري في صحيحه: 502 . ومسلم: 509 والشاهد في الحديث هو
تبرك سلمة رضي الله عنه
بالصلاة في الموطن الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يصلي فيه.
ق
ال ابن حجر في الفتح :
"والأسطوانة حقق لنا بعض مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة وأنها تعرف بأسطوانة المهاجرين . قال : وروي عن عائشة أنها كانت تقول "لو عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام "، وأنها أسرتها إلى ابن الزبير فكان يكثر الصلاة عندها . ثم وَجدتُ ذلك في تاريخ المدينة لابن النجار وزاد أن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها ، وذكره قبله محمد بن الحسن في أخبار المدينة.
3
- مارواه الإمام
أحمد في مسنده و
الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه
الذهبي: ونصه كما في مسند أحمد: ( عن داود بن أبي صالح قال:حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا كثير بن زيد عن داود بن أبي صالح قال أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر فقال أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب. فقال نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول"
لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله ".
ورواه الحاكم 4/560 ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي في التلخيص: صحيح)
قال الإمام الذهبي في معجم شيوخه ص55:( عن ابن عمر: أنه كان يكره مس قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: كره ذلك لأنه رآه إساءة أدب.
وقد سئل أحمد بن حنبل عن مس القبر النبوي وتقبيله فلم ير بذلك بأسا، ورواه عنه ولده عبد الله بن أحمد كما جاء سابقاً. فإن قيل: فهلا فعل ذلك الصحابة ؟! قيل: لأنهم عاينوه حيا وتملوا به وقبلوا يده وكادوا يقتتلون على وضوئه واقتسموا شعره المطهر يوم الحج الأكبر، وكان إذا تنخم لا تكاد نخامته تقع إلا في يد رجل فيدلك بها وجهه، ونحن لما لم يصح لنا مثل هذا النصيب الأوفر ترامينا على قبره بالالتزام والتبجيل والاستلام والتقبيل، ألا ترى كيف فعل ثابت البناني ! كان يقبل يد أنس بن مالك ويضعها على وجهه ويقول:
يد مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذ هو مأمور بأن يحب الله ورسوله أشد من حبه لنفسه وولده والناس أجمعين، ومن أمواله ومن الجنة وحورها.
ألا ترى الصحابة من فرط حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا:
ألا نسجد لك ؟ فقال:
لا ، فلو أذن لهم لسجدوا له سجود إجلال وتوقير لا سجود عبادة كما قد سجد إخوة يوسف -عليه السلام- ليوسف).
أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان في نفَرٍ منَ المهاجرينَ والأنصارِ ، فجاء بَعيرٌ ، فسجَد للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فقال أصحابُه : يا رسولَ اللهِ ، ألا نسجُدُ لكَ ، فقد سجَد لكَ البهائمُ والشجرُ ؟ فنحن أحقُّ أن نسجُدَ لكَ فقال : "اعبُدوا ربَّكم ، وأكرِموا أخاكم ، فلو كنتُ آمِرًا أحدًا أن يسجُدَ لأحَدٍ ، لأمَرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجِها ، ولو أنَّ رجلًا أمَر امرأتَه أن تنقُلَ مِن جبلٍ أحمرَ إلى جبلٍ أسودَ ، أو جبلٍ أسودَ إلى جبلٍ أحمرَ ، لكان نولها أن تفعَلَ"الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البوصيري | المصدر : إتحاف الخيرة المهرة : 4/ 81 | خلاصة حكم المحدث : إسناده رجاله محتج بهم في الصحيح ، إلا علي بن زيد بن جدعان ، وهو مختلف فيه 4
-
واستدلوا ايضا بان النبي حيّ في قبره ، فجاز التبرك والتوسل والدعاء:
قال تعالى: "
وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا"
سورة النساء:64،
دلت الآية على حث الأمة على المجيء إليه صلى الله عليه وسلم والاستغفار عنده واستغفاره لهم وهذا لا ينقطع بموته.
قاله:
أحمد بن زيني دحلان في كتابه
الدرر السُّـنية في الرد على الوهابية. اهـ
ولما جاء في حديث أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال: "
مَن صلَّى عليَّ عندَ قبري سَمِعْتُهُ ، ومَن صلَّى عليَّ مِن بعيدٍ أعلمتُهُ"
الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن القيم قي جلاء الأفهام: 109 | خلاصة حكم المحدث : غريب جداً .
السخاوي في القول البديع : 227 | خلاصة حكم المحدث : سنده جيد و. الأجوبة المرضية : 3/929 ، إسناده جيد. ولما جاء من حديث
عبدالله بن مسعود عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال:"
إنَّ للهِ ملائكةً سيَّاحينَ يبلغون عن أمَّتي السَّلامَ قال وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم حياتي خيرٌ لكم تُحدِّثونَ ويُحدَّثُ لكم ووفاتي خيرٌ لكم تُعرَضُ عليَّ أعمالُكم فما رأَيْتُ من خيرٍ حمِدْتُ اللهَ عليه وما رأَيْتُ من شرٍّ استغفَرْتُ اللهَ لكم".
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : الهيثمي في مجمع الزوائد : 9/27 | خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح