ما حكم الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-( جهرا ) بعد الأذان ، في مكبرات الصوت؟ الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد الأذان او بعد الإقامة، علنا - جهرا - في مكبرات الصوت وغيرها ، من المؤذن نفسه أو من السامعين.
جمع من الأدلة و أقوال اهل العلم - الرأي والرأي الآخر- ، بلا تحيز ولا تعنّت ولا تشدد ولا تفيهق .
الحمد لله والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على نبينا و معلمنا ومرشدنا محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد،
الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الأذان سنة مؤكدة ، يقولها المؤذن والسامع على حد سواء. جمهور العلماء متفقون على سنية و استحباب الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأذان ؛
لما روى
عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما - عن
النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
"
إذا سمعتُمُ المؤذِّنَ فقولوا مثلَ ما يقولُ . ثمَّ صلُّوا عليَّ . فإنَّهُ مَن صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللَّهُ عليه بِها عشْرًا . ثمَّ سلوا اللَّهَ ليَ الوسيلَةَ . فإنَّها منزِلةٌ في الجنَّةِ لا تنبغي إلَّا لعبدٍ من عبادِ اللَّهِ . وأرجو أن أكونَ أنا هو . فمن سأل ليَ الوسيلةَ حلَّتْ لهُ الشَّفَاعةُ ".
صحيح مسلم: 384 وروى
البخاري في صحيحه:4719 ، من حديث
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
من قال حين يسمعُ النداءَ اللهمَّ ربَّ هذه الدعوةِ التامةِ ، والصلاةِ القائمةِ ، آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلةَ ، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدته) ، حلَّت له شفاعتي يومَ القيامةِ".
ويرى
الشافعية أن الصلاة والسلام على رسول الله -
بعد الأذان - ،
سنة حسنة ، ونصوا على ذلك بقولهم:
"
ويسن لكل من المؤذن ، وسامعه أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من الأذان".
وقال
الشافعية :
"
إن قولة صلى الله عليه وسلم:" ثم صلوا علي" ورد بصيغة الأمر والجمع فيدخل في الجمع المؤذن، ولم يرد دليل يخرج المؤذن من الصلاة عليه، لذا كان من المندوب أن يصلي المؤذن عليه بعد الانتهاء من الأذان، وإن قيل لا يعلم عن واحد من السلف فعله، يقال: نفي العلم لا ينفي الوجود، وقد أمر الرسول بها فتكون مندوبة، إن لم نقل واجبة.".
( حاشية العلامة القيلوبي على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين (ج1ص131) .
و روضة الطالبين وعمدة المفتين – الإمام النووي - 1\47- )
جاء في
]مغني المحتاج 1/ 219]:
"
ولكل أي المؤذن والسامع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه".
وقال الإمام
الشربيني رحمه الله (
مغني المحتاج 1\140 )
"
و يسن لكل من مؤذن وسامع ومستمع ، قال شيخنا ومقيم ، ولم أره لغيره أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويسلم أيضا لما مر من أنه يكره إفرادها عنه بعد فراغه من الأذان أو الإقامة على ما مر، لقوله صلى الله عليه وسلم :"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا"."
وقال الإمام النووي رحمه الله في (
المجموع شرح المهذب - 3\117):
"
أما أحكام الفصل فقال أصحابنا : يستحب للمؤذن أن يقول بعد فراغ أذانه هذه الأذكار المذكورة من الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة والدعاء بين الأذان والإقامة والدعاء عند آذان المغرب ، ويستحب لسامعه أن يتابعه في ألفاظ الأذان".
وجاء في
]شرح منتهى الإرادات 1/ 130] من كتب
الحنابلة:
"
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ، ويقول: اللهم رب هذه الدعوة".
وتحصل السنة بأي لفظ يأتي مما يفيد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما يقع للمؤذنين من قولهم بعد الأذان:"الصلاة والسلام عليك يا رسول الله"، " وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم"، "الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى الك واصحابك اجمعين".
ورفع الصوت بالأذان فإنه ورد فيه حديث البخاري: 609 ، عن
عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة الأنصاري، أن
أبا سعيد الخدري قال له:
"
إني أراك تحبُّ الغنمَ والباديةَ ، فإذا كنتَ في غنمِكَ أو باديتِكَ ، فأذَّنتَ بالصلاةِ فارفعْ صوتَكَ بالنداءِ ،فإنَّه لا يَسْمَعُ مدى صوتِ المؤذنِ ، جنٌّ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلا شَهِدَ له يومَ القيامةِ" .
أما
رفع المؤذن والسامع صوته بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم
بعد الاذان، فقد ورد في
شرح العباب (على مذهب الشافعي):أفتى شيخنا زكريا الأنصاري وغيره: "
بأن ما يفعله المؤذنون الآن من الإعلان بالصلاة والسلام مرارا حسن، لأن ذلك مشروع عقب الأذان في الجملة، فالأصل سنة، والكيفية حادثة" - أي ا
لتغني التي تخرج عن معنى التعبد -
وجاء في
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة 1\326- للإمام
الجزيري :
"
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقبه – أي الأذان – مشروعة بلا خلاف سواء كانت من المؤذن أو من غيره، لما رواه مسلم : إذا سمعتم المؤذن .... الحديث " ثم صلوا علي " ، عام يشمل المؤذن وغيره من السامعين ولم ينص الحديث على ان تكون الصلاة سرا فإذا رفع المؤذن صوته بالصلاة بتذكير الناس بهذا الحديث ليصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، كان حسنا".
ونود أن نذكر بحديث صحيح مسلم ج: 1 ص: 288 باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي ثم يسأل الله له الوسيلة :"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي". فالصلاة شيء وطلب الوسيلة شيء آخر. أما قوله "ثم صلوا علي" لئلا تكون الصلاة عليه داخل الأذان؛ ولا يعني هذا تأخيرها عن نهاية الأذان كما يفعل البعض. علما بأن الذي أمر بالجهر بها بعد الأذان هو الشهم الهمام قاهر الصليبين ومن كان يوسوس لهم من يهود ألا وهو: صلاح الدين الأيوبي. لأنه لاحظ أن الناس قد تركت الصلاة على النبي بعد الأذان.[ وترك سنة بشكل جماعي "كالسواك مثلا "ذنب قد يؤخر النصر أو يجلب عقوبة ] على أنه وضعها بدل ما كان يضيفه الفاطميون بعد الأذان. ولما ورد في الترهيب من ترك الصلاة عليه كحديث "
البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي"."
وجاء في (
الموسوعة الفقهية الكويتية –
باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الآذان – الجزء الثاني )"
"
الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد الأذان: يرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم من المؤذّن بعد الأذان سنّة ، وعندهم يسنّ للمؤذّن متابعة قوله سرّاً مثله كالمستمع ليجمع بين أداء الأذان والمتابعة ، وروي عن الإمام أحمد أنّه كان إذا أذّن فقال كلمةً من الأذان قال مثلها سرّاً ؛ ليكون ما يظهره أذاناً ودعاءً إلى الصّلاة ، وما يسرّه ذكراً للّه تعالى فيكون بمنزلة من سمع الأذان . بذلك يمكن أن يشمل المؤذّن الأمر الوارد في قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول ، ثمّ صلّوا عليّ ، فإنّه من صلّى عليّ صلاةً صلّى اللّه عليه بها عشراً ، ثمّ سلوا اللّه لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنّة لا ينبغي أن تكون إلاّ لعبد من عباد اللّه وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل اللّه لي الوسيلة حلّت عليه الشّفاعة » ".
قال الإمام
البكري الدمياطي رحمه الله في (
إعانة الطالبين - 1\280): " (قوله:
وسن لكل من مؤذن إلخ) وذلك لخبر مسلم :"
إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه وسلم بها عشرا، ثم اسألوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة.
أي
غشيته ونالته.
وحكمة سؤال ذلك - مع كونه واجب الوقوع بوعد الله تعالى -
إظهار شرفه وعظم منزلته.
(قوله:
بعد فراغهما) أي
الأذان والإقامة.
(قوله:
أي بعد فراغ إلخ)
أشار بهذا إلى سنية الصلاة والسلام بعد تمام كل واحد منهما بالقيد الآتي، لا بعد تمام مجموعهما مطلقا كما يتوهم من الإضافة.
(قوله:
إن طال فصل بينهما) أي
بين الأذان والإقامة.
ولم أر هذا القيد في التحفة والنهاية وفتح الجواد والاسنى وشرح المنهج والمغنى والإقناع، فأنظره.
(قوله:
وإلا) أي وإن لم يطل الفصل بينهما بأن قرب.
وقوله: (
فيكفي لهما)أي
بعد الإقامة.
وقوله: (
دعاء واحد )
المراد به الصلاة والسلام لأنهما دعاء، ويحتمل أن المراد به ما يشملهما ويشمل الدعاء الآتي، وهو بعيد.
ولو قال: فيكفي لهما صلاة واحدة وسلام واحد، لكان أنسب.
(قوله:
كل منهم) أي
المؤذن والمقيم والسامع".
قال بعض المتاخرين من انصار وأتباع المذهب
الحنبلي في الصلاة والسلام جهرا عقب الاذان:"
"
الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الأذان سنة مؤكدة من المؤذن والسامعين، لكن ليست مع الأذان ، مع صوت الأذان بل يجيب المؤذن ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير أن تكون على هيئة الأذان، بل يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة سرية عادية ليس فيها جهر يسمعها من حوله، لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: (إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي واحدةً صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل ليس الوسيلة حلت له الشفاعة).
وفي الحديث الآخر يقول -عليه الصلاة والسلام-: "من قال حين يسمع النداء (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد)" ، فالمؤمن يقول هذا كما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يقول: (اللهم رب هذه الدعوة... إلى آخره) فإذا قال هذا حلت له شفاعة النبي يوم القيامة، ولكن لا يجهر بها مع الأذان بل يأتي سراً كلمات عادية يسمعها من حوله، أما الجهر بها مع الأذان سواءٌ كان بالميكروفون أو بغير الميكرفون فهو بدعة ما فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه، ما كان بلال يفعلها ولا ابن أم مكتوم، ولا أبو محذورة، ولا غيرهم من المؤذنين عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بل هي بدعة، وكونه يجهر بها مع الأذان بالمكبر أو في غير المكبر يجهر بها مع قول لا إله إلا الله هذا بدعة محدثة وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)...".
علما بأن جماهير الفقهاء المتأخرين ذهبوا إلى جواز "الجهر"، أو استحبابه، حيث لم يروا محذوراً في ذلك، ولم يجدوا فيه مناقضة للمقصد الشرعي في هذا الباب، خاصة مع الفوائد المرجوة من الجهر، كمثل تذكير الناس بهذه السنة، وإعلانها على الملأ.
جاء في
]حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 220] من كتب
المالكية: "
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان فبدعة حسنة".
وجاء في
]حاشية ابن عابدين الحنفي "
رد المحتار" 1/ 261]: "
والصواب من الأقوال أنها بدعة حسنة"،
وقال الإمام
السخاوي رحمه الله: "
قد أحدث المؤذنون الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقب الأذان للفرائض الخمس، إلا الصبح والجمعة، فإنهم يقدمون ذلك فيها على الأذان، وإلا المغرب فإنهم لا يفعلونه أصلاً لضيق وقتها، وكان ابتداءً حدوث ذلك من أيام السلطان الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب وأمرِه".
وبعد ما أوردنا من أدلة وأقوال لأهل العلم ...يقال ..بلا تحيز و لا مناكفة لأهل العلم و تنقيصا من علمهم ، يقال :
لا حاجة في التشدد لمنع الجهر بالصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بعد الاذان ، فإن لها أصلا ، وأدلة ثابتة ومعتبرة ، كما وأنه لا يوجد من يقول ( بأن الصلاة والسلام على النبي ، بعد الأذان، هي جزء من الأذان أصلا .
وأما من يحتج بـ أن بلالا ، وابن أم مكتوم ، و أبو محذورة -رضي الله عنهم - ، لم يكونوا يفعلون ذلك ، يقال لهم:" نفي العلم لا ينفي الوجود، وقد أمر الرسول بها فتكون مندوبة، إن لم نقل واجبة، إذ الأمر لا يخرج عن كونه صلاةَ على رسول صلى الله عليه وسلم، وزيادة في التنويه عليها والتذكير بها والتعليم بفضل قائلها و للدلالة على فضلها وخير أجرها. والله اعلم وأحكم .