ما هي الحالات التي يسقط فيها وجوب استقبال القبلة في الصلاة ، وتصح الصلاة فيها لغير القبلة ؟.
الحمد لله
" من شروط صحة الصلاة :
استقبال القبلة ، ولا تصح الصلاة إلا به ، لأن الله تعالى أمر به وكرر الأمر به في القرآن الكريم ، قال الله تعالى : " وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ " البقرة/144 . أي : جهته .
وكان النبي عليه الصلاة والسلام أول ما قدم المدينة يصلي إلى بيت المقدس ، فيجعل الكعبة خلف ظهره والشام قِبَلَ وجهه ، ولكنه بعد ذلك ترقب أن الله سبحانه وتعالى يشرع له خلاف ذلك ، فجعل يقلب وجهه في السماء ينتظر متى ينزل عليه جبريل بالوحي في استقبال الكعبة كما قال الله : "
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ "
البقرة/144 . فأمره الله أن يستقبل شطر المسجد الحرام ، أي : جهته ،
إلا أنه يُستثنى من ذلك ثلاث مسائل :
المسألة الأولى :
إذا كان عاجزاً ،
كمريض لا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة لعدم قدرته وخطورة تحريكه على حياته وصحته ، او كراكب طائرة او سفينة ، او جاهلا بالقبلة في بلد لا يعرف القبلة فيها احد او ما شابه ذلك ،
فإن استقبال القبلة يسقط عنه في هذه الحال لقوله تعالى : "
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم "
التغابن/16 . وقوله تعالى : "
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا "
البقرة/286 .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم "
إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ... "
رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
المسألة الثانية :
إذا كان في شدة الخوف،
كإنسان هارب من عدو ، أو هارب من سبع ، أو هارب من سيل يغرقه ، فهنا
يصلي حيث كان وجهه واتجاهه، ودليله قوله تعالى :"
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ "
البقرة/239 . فإن قوله : "
فَإِنْ خِفْتُمْ " عام يشمل أي خوف ، وقوله تعالى: "
فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ "
يدل على أن أي ذِكْرٍ تركه الإنسان من أجل الخوف فلا حرج عليه فيه ، ومن ذلك : استقبال القبلة . ويدل عليه أيضاً ما سبق من الآيتين الكريمتين ، والحديث النبوي في أن الوجوب معلق بالاستطاعة .
المسألة الثالثة :
النافلة في السفر سواء كان على طائرة أو على سيارة ، أو على بعير فإنه
يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل ، مثل : الوتر ، وصلاة الليل ، والضحى وما أشبه ذلك .
والمسافر ينبغي له أن يتنفل بجميع النوافل كالمقيم تماماً إلا في الرواتب ، كراتبة الظهر ، والمغرب ، والعشاء ، فالسنة تركها .
فإذا أراد أن يتنفل وهو مسافر فليتنفل حيث كان وجهه ، ذلك هو الثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فهذه ثلاث مسائل لا يجب فيها استقبال القبلة .
أما الجاهل فيجب عليه أن يستقبل القبلة ،
لكن إذا اجتهد وتحرى ثم تبين له الخطأ بعد الاجتهاد فإنه لا إعادة عليه ، ولا نقول : إنه يسقط عنه الاستقبال بل يجب عليه الاستقبال ويتحرى بقدر استطاعته ، فإذا تحرى بقدر استطاعته ثم تبين له الخطأ فإنه لا يعيد صلاته ، ودليل ذلك أن الصحابة الذين لم يعلموا بتحويل القبلة إلى الكعبة كانوا يصلون ذات يوم صلاة الفجر في مسجد قباء فجاءهم رجل فقال :
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ ، فَاسْتَقْبِلُوهَا ، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ .
رواه البخاري (403) ومسلم (526) .
بعد أن كانت الكعبة وراءهم جعلوها أمامهم ، فاستداروا واستمروا على صلاتهم ، وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولم يكن إنكار له فيكون ذلك مشروعاً ، يعني أن الإنسان إذا أخطأ في القبلة جاهلاً فإنه ليس عليه إعادة ، ولكن إذا تبين له ولو في أثناء الصلاة وجب عليه أن يستقبل القبلة .
فاستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا به في المواضع الثلاثة ، وإلا إذا أخطأ الإنسان بعد الاجتهاد والتحري " انتهى . والله أعلم .