إن الإيمان بالملائكة من أركان الإيمان التي أخبر بها الرسول - صلى الله عليه وسلم- عندما سأله جبريل عن الإيمان فقال:
'... أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، و تؤمن بالقدر خيره وشره'...'.
مسلم
فالملائكة الكرام يصحبون بني آدم من يوم تكوينهم في بطون أمهاتهم حتى نزع أرواحهم من أجسادهم يوم موتهم ، وهم أيضاً يصحبونهم في قبورهم وفي الآخرة .
ـ أما صحبتهم له في الدنيا فتكون كما يلي :
أولا : يقومون عليه عند خلقه:
فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ' وكَّل الله بالرحم ملَكاً ، فيقول : أي رب نطفة ؟ أي رب علقة ؟ أي رب مضغة ؟ فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال : أي رب ذكر أم أنثى ؟ أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه' .
رواه البخاري ( 6595 ) ومسلم ( 2646 ) واللفظ للبخاري .
ثانيا : حراستهم لابن آدم :
قال تعالى : { سوآءٌ منكم مَن أسرَّ القول ومَن جهر به ومَن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار . له معقِّبات مِن بين يديه ومِن خلفه يحفظونه من أمر الله } [ الرعد/10-11] .
وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنهما ( أن المعقبات مِن الله هم الملائكة جعلهم الله ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه ، فإذا جاء قدر الله - الذي قدّر عليه أن يقع به من حادث ومصاب ونحوه - تخلوا عنه ).
وقال مجاهد : 'ما من عبد إلا له ملَك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فما منها شيء يأتيه إلا قال له الملك : وراءك ، إلا شيء أذن الله فيه فيصيبه '.
وقال رجل لعلي بن أبي طالب : إن نفرا من مراد يريدون قتلك ، فقال - علي - :" إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يُقدَّر ، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه ، إن الأجل جُنَّة حصينة" .
والمعقبات المذكورة في آية الرعد هي المرادة بالآية الأخرى : { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } .
فالحفظة الذي يرسلهم الله يحفظون العبد حتى يأتي أجله المقدر له .
ثالثا : الملائكة الذين يكتبون الحسنات والسيئات :
' ما من أحد من الناس إلا وله ملكان يكتبان أعماله من الخير والشر من صغير أو كبير ، قال تعالى : { وإن عليكم لحافظين ، كراماً كاتبين ، يعلمون ما تفعلون }'. [ الانفطار/10 -12] .
وقال تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } [ق/16-18]
ويكتب صاحب اليمين الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات
فعن أبي أمامة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها ، وإلا كتبت واحدة" .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 8 / 158 ) .
" صحيح الجامع " ( 2 / 212 ) .
وإذا علمنا هذا تبين أن عدد الذين يصحبون ابن آدم بعد ولادته : أربعة ملائكة .
قال ابن كثير رحمه الله :
'وقوله : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } أي : للعبد ملائكة يتعاقبون عليه حرس بالليل وحرس بالنهار ، يحفظونه من الأسواء والحادثات ، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر ملائكة بالليل وملائكة بالنهار . فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال صاحب اليمين يكتب الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات .
وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه ، واحد من ورائه وآخر من قدامه .فهو بين أربعة أملاك بالنهار وأربعة آخرين بالليل . "
تفسير ابن كثير
2 / 504 ) .
ومن الملائكة الذين ذكروا في نصوص الوحي الحفظة الذين يحفظون العبد ويحرسونه ويحفظون أعماله ويكتبونها، قال الله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ {الأنعام:61}.
وقال تعالى: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ*لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ {الرعد: 10ـ11}
وقال تعالى: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ*وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَاماً كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ{الانفطار:9ـ12}.
وقال تعالى: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ*النَّجْمُ الثَّاقِبُ*إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ {الطارق:1ـ44}.
وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ*إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ*مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ .{قّ:16ـ188}.
وأما التفصيل الذي ذكر في بعض قنوات التلفزة فقد جاء في حديث رواه الطبري في التفسير بسنده عن كنانة العدوي قال : دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، أخبرني عن العبد كم معه من ملك ؟ قال : ملك على يمينك على حسناتك ، وهو أمين على الذي على الشمال ، فإذا عملت حسنة كتبت عشراً . وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين : اكتب، قال : لا، لعله يستغفر الله ويتوب ، فإذا قال ثلاثاً قال : نعم اكتب ، أراحنا الله منه ، فبئس القرين ، ما أقل مراقبته لله ، وأقل استحياءه منا ، يقول الله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. وملكان من بين يديك ومن خلفك ، يقول الله : له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على الله قصمك . وملكان على شفتيك، ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد . وملك قائم على فيك لا يدع الحية تدخل في فيك ، وملكان على عينيك، فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي ، ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار، لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار، فهؤلاء عشرون ملكاً على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل .
وهذا الحديث قد نقله الزيلعي في نصب الراية وابن حجر في الفتح والسيوطي في الدر المنثور وفي الحبائك نقلوه كلهم عن الطبري ولم يتعقبوه ولم يضعفوه .
لكن قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره :
' قد روى الإمام أبو جعفر ابن جرير ههنا حديثا غريبا جدا ثم ساقه بسنده ، ومع هذا فإن للحديث شواهد من الحديث والآثار في بعض جزئياته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون. متفق عليه. وأخرج ابن زمنين في السنة عن الحسن قال: الحفظة أربعة يعتقبونك: ملكان بالليل وملكان بالنهار، تجتمع هذه الأملاك الأربعة عند صلاة الفجر. اهـ . قال ابن حبان بعد تخريج هذا الحديث : في هذا الخبر بيان واضح بأن ملائكة الليل إنما تنزل والناس في صلاة العصر، وحينئذ تصعد ملائكة النهار. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل وحافظين في النهار، يحفظان عمله ويكتبان أثره . اهـ . ويشهد له في التواضع ماروى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته'.
رواه الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن، وحسنه الألباني في السلسلة.
وأما خصوص مراقبة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلا نعلم ما يشهد له إلا في حديث عام، فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 'إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام'.
رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وأما بخصوص ملكي العينين وملك الحارس للفم من دخول شيء فيه فلم نعثر على دليل ثابت يشهد لهما إلا أن عموم آية الرعد يشملهما، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم :وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان؛ أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله قال الله عز وجل: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله. الرعد. قال ابن عباس: هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه، وقال على رضي الله عنه إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حصينة. وقال مجاهد: ما من عبد إلا وله ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما من شيء يأتيه إلا قال له: وراءك إلا شيئا أذن الله فيه فيصيبه.اهـ. هذا،.
ننبه إلى أن حديث من ترك صلاة العصر حبط عمله حديث صحيح رواه البخاري. وراجع كتاب الحبائك للسيوطي، وكتب التفسير والعقيدة للتوسع في الموضوع.