الربيع بن الخثيمالربيع بن خيثم بن عائذ الإمام القدوة العابد
أبو يزيد الثوري الكوفي أحد الأعلام أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأرسل عنه وروى عن
عبد الله بن مسعود و
أبي أيوب الأنصاري و
عمرو بن ميمون ،وهو قليل الرواية إلا أنه كبير الشأن حدث عنه
الشعبي وإبراهيم النخعي وهلال بن يساف ومنذر الثوري وهبيرة بن خزيمة وآخرون وكان يعد من عقلاء الرجال.
فهو من
أعلام التابعين، ومن كبار الفقهاء والعُبَّاد والزُّهَّاد، من أهل الوَرَع والخشية، مع الذي جعل الله له ذكرًا في العالمين، مع الذي نشأ منذ نعومة أظفاره على طاعة الله، وفَطَمَ نفسه منذ حداثته على تقواه، أحد خريجي مدرسة الصحابة - رضي الله عنهم -تتَتلمذَ على يد سيدنا
عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - صاحب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد تعلَّق هذا التابعي بأستاذه تعلُّق الوليد بأمِّه، وأحبَّ الأستاذ تلميذه حبَّ الأب لوحيده، حتى قال له ابن مسعود في ذات يوم: "
يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين".
قال الله – تعالى –: {
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
]سورة يوسف: 111].
صور من حياته :
الأولى:
الربيع يغض بصره عن الحرام:
قال تعالى: {
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
9ff]النور: 30-31]
وفي الصحاح، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
إياكم والجلوس في الطرقات )
فقالوا: يا رسول الله ، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها ، فقال: ( فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ) قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال: ( غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )
[size=18](
أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب المظالم ، باب أفنية الدور والجلوس فيها ، 5/112 برقم 2465 ، وفي كتاب الاستئذان 11/8 برقم (6229) ، وأخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب اللباس والزينة ، باب النهي عن الجلوس في الطرقات 3/1675 برقم(2121).
إن إطلاق البصر سببٌ لأعظم الفتن، فكم فسد بسبب النظر من عابد! وكم انتكس بسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين! وكم وقع بسببه أناس في الزنا والفاحشة، والعياذ بالله!
فالعين مِرآة القلب، فإذا غضَّ العبد بصره، غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره، أطلق القلب شهوته وإرادته، ونقش فيه صور تلك المبصَرات، فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه في الدار الآخرة.
ولذلك؛ كان السلف الصالح يبالغون في غضِّ البصر؛ حذرًا من فتنته، وخوفًا من الوقوع في عقوبته، فكان الربيع بن خُثَيْم - رحمه الله - يغضُّ بصره، فمرَّ به نسوة، فأطرق - أي: أمال رأسه إلى صدره - حتى ظنَّ النسوة أنه أعمى، فتعوذن بالله من العمى. وفي ذات يوم قِيلَ للربيع بن الخيثم :
يا ربيع، لم لا تجلس في الطرقات مع الناس؟ فقال:
أنا أخشى ألاَّ أردَّ السلام ولا أغضَّ بصري.
هكذا امتثل الربيع بن الخيثم قول الله نعالى وقول رسوله - عليه السلام - غضِّ البصر واعطاء الطريق حقه !!!، ليحفظ قلبه الذي ملاه الله بالايمان، ويصون جوارحه عن الفتنة والحرام ، ويحفظ لسانه من القيل والقال ، وخوفه من عدم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ورد السلام.!!
فأين نحن اليوم من غض البصر؟!
وما بال الذين يجوبون الاسواق والساحات ينظرون إلى مفاتن النساء المتبرِّجات؟!
وما بالنا منغمسون بالنظر للنساء والولدان من خلال التلفاز ووسائل الاعلام والافساد؟!
ما لنا نستخفي من الناس ونستحيي منهم ، ولا نخاف ولا نستحيي من الله ونحن لا نغض بصرا عن حرام ،ولا نمسك لسانا عن كذب وغيبة ونميمة وخوض في الاعراض؟!
فهذا درسٌ عظيم من الربيع إلى كلِّ المسلمين، وخاصة الذين يجلسون في الطرقات والأسواق: أن كفُّوا أبصاركم عن النظر إلى الحرام.الثانية:
الربيع يشتغل بعيوبه عن عيوب الآخرين:
اشتغلَ الربيع بن الخيثم بعيوب نفسه، وترك الاشتغال بعيوب الآخرين، وامتثل في حياته - قولا وعملا - ما قاله الله -تعالى - في كتابه العزيز: {
والَّذينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3]
وامثتل بايمان وصدق اقوال رسول الله - عليه الصلاة والسلام -:
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ"
(رواه أحمد- حديث: 21675، والترمذي- أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - باب ما جاء في حفظ اللسان، حديث: 2388، بسند صحيح)وقول رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- حيث قال : "
مَنْ يَضْمَنْ لي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ"
(رواه البخاري- كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان- حديث: 6119)وامتثل قول رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابِه - حيث قال :
" تدرونَ أزنى الزِّنا عندَ اللهِ ؟" قالوا اللهُ ورسولُه أعلمُ. قال:" فإنَّ أزنى الزِّنا عندَ اللهِ استحلالُ عِرْضِ امرئٍ مسلمٍ" ثُمَّ قرَأ {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا}"
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد.الصفحة أو الرقم: 8/95 | خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح وذات يوم قِيلِ
للربيع بن الخيثم بن الخيثم:
يا أبا يزيد، ألا تذمُّ الناس؟ فقال:" والله ما أنا عن نفسي براضٍ فأذمَّ الناس، إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس وأمنوه على ذنوبهم."
نعم والله صدق الربيع بن الخيثم، ألا نرى ونسمع ونعاصر في كل مجالسنا - الا ما رحم ربي - الغيبة والنميمة والكذب والبهتان والافتراء وقيل وقال والخوض في الاعراض للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات - الاحياء والاموات -!!!، ولا تنقي الله ولا نخشى عذابه!!؟؟.قال
إبراهيم التيمي رحمه الله عن أخلاق
الربيع بن الخيثم -: "
أخبرني من صحب الربيع بن خُثَيْم عشرين سنة: ما سمع منه كلمة تعاب"،وتلا قوله عز وجلّ {
إليه يصعدُ الكـــلِمُ الطيِّبُ والعَمَلُ الصَّالحُ يرفعُهُ}
سورة فاطر 10،
يا الله !!.
أيُّ ايمان وامتثال لقول الله ورسوله واي تربية هذه التي كان يغرسها الربيع بن الخيثم مع قلبه وروحه وجسده وفكره، حتى كانت هذه القدرة الهائلة على ضبط لسانه وجوارحه !!!، فلا يُسمعُ منه كلمة تُعاب مع طول مدة الصُّحبة؟!
جاء رجلٌ إلى
الربيع بن الخثيم-
فاغتاب أخًا له- فقال الربيع بن الخثيم: " أقاتلت الروم؟" قال: لا، قال:" أقاتلت فارس؟" قال: لا، قال:" فيَسلَمُ منك فارس والروم، ولا يسلم منك المسلم؟! قُمْ عني".
فهذا درسٌ من الربيع ابن الخيثم لكلِّ من أطلق العنان للسانه بالحديث عن المسلمين والتقول عليهم وذكر عيوبهم وزلاتهم وهفواتهم وتتبع عوراتهم واغتيابهم والافتراء عليهم، !!
فليشتغل بعيوب نفسه عن عيوب إخوانه من المسلمين، فطُوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. الثالثة:
الربيع بن الخيثم يعفو ويقابل السيئة بالحسنة:
كان الربيع بن الخيثم من الرجال الذين امثلوا اوامر الله – تعالى - بكظم الغيظ والعفو والصفح ، قلبا وقالبا ، صورة وسريرة...حيث قال الله تعالى: {
وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} }
][آل عمران:133-134]134].
وقوله تعالى : (
وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) (
الشورى:37)
وقوله تعالى: (
فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) (
الشورى:40)
وقوله تعالى: (
ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الامور ) (
الشورى:43)
وامثل - الربيع بن الخيثم - قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:
"
من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيِّره الله من أي الحور العين شاء "
(رواه أبو داود في سننه برقم [4777]؛ والترمذي برقم [2021] وقال: حديث حسن غريب، ورواه برقم [2493] وابن ماجة برقم [4136]؛ وأحمد في المسند برقم [15675]، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن؛ وحسّنه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم [3375]؛ وصحّحه في صحيح الترمذي برقم [2026]). فكان الربيع بن الخيثم - رحمه الله - من الذين حققوا كظم الغيظ والعفو عن السوء في واقع حياتهم، ومن الذين جرَّدوا نفوسهم من الانتقام والثأر والغضب إلا لله. فذات يوم، وبينما هو في المسجد ورجل خلفه، فلمَّا قاموا إلى الصلاة، جعل الرجل يقول له: تقدَّم، ولا يجد الربيع بن الخيثم مكانًا أمامه، فرفع الرجل يده وضرب بها عنق الربيع بن الخيثم، ولا يعرف أن الذي أمامه هو الربيع بن الخُثَيم.فماذا تتوقعون من الربيع بن الخيثم أن يفعل؟!حيث ضربه ذاك الرجل، وأهانه أمام الناس وبدون سبب يذكر.
التفت الربيع بن الخيثم إلى الرجل الذي ضربه، فقال له:"
رحمك الله، رحمك الله"، وإذا بالرجل يبكي بكاءً شديدًا حين عرف الربيع بن الخيثم.
أرأيتم كيف قابله بهذا الخلق العظيم والصفح الجميل؟!
وذات يوم اشترى فرسًا بثلاثين ألفًا، فغزا عليها، ثم أرسل غلامه يسار يحتشُّ -
يحضر العشب والحشيش للفرس - ،
وقام يصلي وربط فرسه، فجاء الغلام، فقال: يا ربيع أين فرسك؟ قال:" سرقت يا يسار"، قال: وأنت تنظر إليها؟ قال:" نعم يا يسار"، إني كنت أناجي ربي - عز وجل - فلم يشغلني عن مناجاة ربي شيء اللهم إنه سرقني ولم أكن لأسرقه، اللهم إن كان غنيًّا، فاهده، وإن كان فقيرًا، فأغنِه (
ثلاث مرات).
سُرِقت فرسه، ومع ذلك دعا له بالخير!...
يا الله اي قلب حمل ذاك الرجل؟!
فلم لا نجعل الصفح والعغو والمغفرة والتجاوز عن الاخطاء والزلات والهفوات والعثرات وحتى -الظلم - شعارا لنا في مواجهة من اعتدى علينا؟!،
ونعود ألسنتنا على الكلمة الطيبة، والقول الجميل وكظم الغيظ -
مع قدرتنا على انفذ غضبنا وغيظنا - !؟.
الرابعة:
الربيع بن الخيثم يثبت أمام إغراء النساء:
كان الربيع بن الخيثم من الرجال الذين امثلوا اوامر الله – تعالى - بحفظ الفرج واجتناب الزنا والعفة ، قلبا وقالبا ، صورة وسريرة...حيث قال الله تعالى:
"
وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً " (
الإسراء:32)
وامثل -
الربيع بن الخيثم -اقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:
النبي صلى الله عليه وسلم موصيا عليا :"
يا عليُّ لا تُتبعِ النَّظرةَ النَّظرةَ ، فإنَّ لَكَ الأولى وليسَت لَكَ الآخرَةُ "
الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود.الصفحة أو الرقم: 2149 | خلاصة حكم المحدث : حسن وحقق في حياته ما جاء به- عليه السلام - من العفة وحفظ الفرج...قال أبو سفيان لهرقل يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم "
وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالعَفَافِ، وَالوَفَاءِ بِالعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ"
رواه الشيخان.
فقد كان الربيع بن الخيثممعروفًا بجماله، كان جميلاً كأشد ما يكون الجمال، حتى إن المرأة إذا نظرت إليه لا تستطيع أن تملك نفسها، وقيل عنه: إنه كان يغطي على جزء من وجهه حتى لا يفتن النساء، ولكن كان مع هذا من أعظم عباد الله خوفًا من الله، وكان عُمره لا يجاوز الثلاثين؛ وكان في بلده فُسَّاق وفُجَّار يتواصون على إفساد الناس، وليسوا في بلد الربيع بن الخيثم فقط، بل هم في كل بلد، ثُلَّة تسمى فرقة الصدِّ عن سبيل الله، يهمُّها أن تقودَ شباب الأمة وشيبها ونساءها إلى النار.
تواصوا على إفساد الربيع بن الخيثم، فجاؤوا بأجمل امرأة عندهم، وقالوا:
هذه ألف دينار، قالت: علام؟ قالوا: على قُبْلة واحدة من الربيع بن الخيثم، قالت: ولكم فوق ذلك أن يزني، ثم ذهبت وتعرَّضت له في ساعة خلوة، وأبدت مفاتنها، ووقفت أمامه، فلما رآها صرخ فيها قائلاً: " يا أمة الله، كيف بك إذا نزل ملك الموت، فقطع منك حبل الوتين؟! أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟! أم كيف بك يوم تقفين بين يدي الربِّ العظيم؟! أم كيف بك إن لم تتوبي يوم تُرمَيْن في الجحيم؟!" فصرخت وولَّت هاربة تائبة عابدة عائدة إلى الله - عز وجل- تقوم من ليلها ما تقوم، وتصوم من أيامها ما تصوم، فلقِّبت بعد ذلك بعابدة الكوفة، وكان هؤلاء المفسدون يقولون: أردنا أن تفسد الربيع بن الخيثم فأفسدها الربيع بن الخيثم علينا...
فلحذر الحذر يا عباد الله ...قال تعالى : {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ} ]الأنعام:116].
ولنكن ممن قال فيهم النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - :"
"
سبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه : الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأ في عبادةِ ربِّه، ورجلٌ قلبُه مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلان تحابَّا في اللهِ اجتَمَعا عليه وتفَرَّقا عليه، ورجلٌ طلَبَتْه امرأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجمالٍ، فقال إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصَدَّق، أخفَى حتى لا تَعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه، ورجلٌ ذَكَر اللهَ خاليًا، ففاضَتْ عيناه."
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري. الصفحة أو الرقم: 660 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ففي العفاف - يا امة محمد العفيف -
ضمان الجنة كما في حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"
مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ ( اللسان ) وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ( الفرج )أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ "
رواه البخاري:6474.الخامسة:
الربيع بن الخيثم شديد الخوف من الله:
كان الربيع بن الخيثم يتمثل قول الله تعالى:"
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ "
]المؤمنون: 57].
وقوله تعالى:"
وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ "
]البقرة: ].
وكان الربيع بن الخيثم - رحمه الله - يعيش حقا هدي النبي - عليه الصلاة والسلام ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَوْلُ اللَّهِ : {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} ، أَهْوَ الَّذِي يَزْنِي، وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَيَسْرِقُ؟ قَالَ:" لَا يَا ابْنَةَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ، وَيَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ"الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الوادعي | المصدر : أحاديث معلة. الصفحة أو الرقم: 452 | خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح ، وهو منقطع قَالَ
الْحَسَنُ البصري":
عَمِلُوا - وَاللَّهِ - بِالطَّاعَاتِ، وَاجْتَهَدُوا فِيهَا، وَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِمْ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ جَمَعَ إِحْسَانًا وَخَشْيَةً، وَالْمُنَافِقَ جَمَعَ إِسَاءَةً وَأَمْنًا.».
انتهى من كلام الإمام ابن القيم من كتابه مدارج السالكين.
كان الربيع بن خثيم يتجهَّز لتلك الليلة التي سيفارق فيها أهله وماله، فيروى أنه حفر في بيته حفرة، فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيها، وكان يمثل نفسه أنه قد مات وندم وسأل الرجعة، فيقول: {
رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}
]المؤمنون : 99 ، 100]،
ثم يجيبُ نفسه، فيقول: "
قد رجعت يا ربيع"،
فيُرى فيه ذلك أيَّامًا؛ أي:
يرى فيه العبادة والاجتهاد والخوف والوجل.
وكانت أمُّ الربيع بن خُثَيْم تنادي ابنها الربيع ، فتقول: يا بني، يا ربيع، ألا تنام؟ فيقول: "
يا أمّاه من جنَّ عليه الليل، وهو يخاف البيات، حقَّ له ألاَّ ينام" ، فلمّا بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسَّهر، نادته، فقالت: يا بني، لعلك قتلت قتيلاً؟ فقال:"
نعم يا والدة، قد قتلت قتيلاً"، قالت: ومن هذا القتيل يا بني حتى تَتحمل على أهله، فيعفون؟ والله لو يعلمون ما تلقى من البكاء، والسَّهر بعد، لرحموك، فيقول:"
يا والدة، هي نفسي"؛ أي:
قتلتُ نفسي بالمعاصي.
وهكذا هم الوجلون من ربهم والمستعيذةن ممن عذابه وغضبه!!!، في صراع دائم مع أنفسهم التي تدعوهم إلى السوء، ويدعونها للصلاح، تجذبهم بقوة خارج الصراط، ويجذبونها بقوة نحو الصراط. قالت ابنةُ الربيع بن الخيثم للربيع :"
يا أبت، لم لا تنام والناس ينامون؟ فقال:" إن البيات في النار لا يدع أباك أن ينام."
السادسة:
الربيع بن الخيثم محافظ على الصلاة في المسجد:
كان
الربيع بن الخيثم ممن عاشوا وماتوا على اوامر الله ومنها المحافظة على الصلوات، قال الله تعالى :
(
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين).
f]البقرة: 238]
طامعا في الحصول على " الفلاح والنجاح " بالخشوع لربه في صلاته ، مثملا قول الله تعالى :
"
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ .وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴿٤﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ .فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . أُولَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " ﴿
1-11: المؤمنون﴾
وكان
الربيع بن الخيثم مؤمنا مصدقا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث قال: "
خمس صلوات كتبهن الله على العباد ، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ، إن شاء عذبه ، وإن شاء أدخل الجنة ".
رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه وغيرهم .
فكان الربيع بن الخيثم بعدما سَقَطَ شِقُّه؛ يهادى بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبدالله يقولون: يا أبا يزيد، لقد رخَّص الله لك، لو صليتَ في بيتك، فيقول:"
إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي: حي على الفلاح، فمن سمع منكم ينادي: حي على الفلاح، فليجبْه، ولو زحفًا، ولو حَبوًا".
فأين نحن اليوم - شبابا وشيبة ، اصحاء واقوياء، اغنياء وفقراء -!!؟ تركنا الصلاة في المساجد والمصليات! صلينا في بيوتنا ! زهدنا في الفرض والواجب والسنة ؟!
اللهم اهدنا وارزقنا الاخلاص والتوبة والصلاح وحسن العمل... ا
للهم واسمع قلوبنا كما اسمعت آذاننا.
قيل
للربيع بن الخيثم :
ألا ندعو لك طبيبًا؟ قَالَ: أَنْظِروني، فتفكَّر، ثم قَالَ: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} ]الفرقان : 38]، قَالَ: فذكر حرصَهم على الدُّنيا ورغبتهم، فيها، وقال: قد كانت فيهم أطباء، وكان فيهم مَرضَى، فلا أرى المداوي بقي، ولا أرى المداوى، وأُهلِك النّاعتُ والمنعوت، لا حاجة لي فيه".
جملة مما قال وقيل في الربيع بن الخيثم ...لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد:
عن
منذر الثوري قال : كان الربيع إذا اتاه الرجل يسأله قال "
اتق الله فيما علمت وما استؤثر به عليك. فكِله إلى عالمه لأنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ ، وما خيركم اليوم بخير ولكنه خير من آخر شد منه وما تتبعون الخير حق اتباعه وما تفرون من الشر حق فراره ولا كل ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم أدركتم ولا كل ما تقرؤون تدرون ما هو ثم يقول السرائر السرائر اللاتي يخفين من الناس وهن والله بواد التمسوا دهاءهن وما دهاؤهن إلا أن يتوب ثم لا يعود".
وروى
الثوري عن أبيه قال كان الربيع بن خثيم إذا قيل له كيف اصبحتم ؟ قال :"
ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا "
وعنه قال "
كل ما لا يراد به وجه الله يضمحل "
قال
الشعبي :
ما جلس ربيع في مجلس منذ اترز بإزار يقول" أخاف أن أرى أمرا أخاف أن لا أرد السلام أخاف أن لا أغمض بصري"
وعن
ياسين الزيات قال جاء ابن الكواء إلى الربيع بن خثيم فقال دلني على من هو خير منك قال "
نعم من كان منطقه ذكر وصمته تفكرا ومسيره تدبرا فهو خير مني "
وعن
الشعبي قال كان
الربيع أورع أصحاب عبد الله أخبرنا أحمد بن أبي الخير في كتابه عن أحمد بن محمد التيمي أنبأنا أبو علي الحداد أنبأنا أبو نعيم الحافظ حدثنا أبو بكر بن خلاد حدثنا محمد بن غالب حدثنا أبو حذيفة حدثنا زائدة عن منصور عن هلال بن يساف عن
الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
أيعجز أحدكم أن يقرأ ليلة بثلث القرآن " فأشفقنا أن يأمرنا بأمر نعجز عنه قال فسكتنا قالها ثلاث مرات "
أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن فإنه من قرأ الله الواحد الصمد فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن"
ورواه
الشعبي عن
الربيع بن خثيم قد تجمع في إسناده خمسة تابعيون أخرجه الترمذي والنسائي من طريق زائدة وحسنة الترمذي وقد رواه غندر عن شعبة عن منصور عن هلال عن
ربيع فقال عن عمرو عن امرأة من الأنصار فحذف منه ابن أبي ليلى ورواه جرير عن منصور فحذف منه ابن أبي ليلى والمرأة قال سفيان الثوري عن العلاء بن المسيب عن أبي يعلى الثوري قال كان في بني ثور ثلاثون رجلا ما منهم رجل دون
الربيع بن خثيم قال ابن عيينة سمعت ماكا يقول قال الشعبي ما رأيت قوما قط أكثر علما ولا أعظم حلما ولا أكف عن الدنيا من أصحاب عبد الله ولولا ما سبقهم به الصحابة ما قدمنا عليهم أحدا حماد بن يزيد عمن ذكره عن ابن سيرين قال :ما رأيت قوما سود الرؤوس أفقه من أهل الكوفة من قوم فيهم جرة .
الربيع بن خيثم علمٌ من أعلام التابعين…وأحد الثمانية الذين انتهى إليهم الزهد في عصرهم...عربي الأصل…مُضري الأرومة