الداعية للخير داعية نشيط
عدد المساهمات : 543 تاريخ التسجيل : 30/12/2009 العمر : 34 الموقع : yahoo.com
| موضوع: ماحكم دفن الموتى في الليل؟ هل يجوز دفن الميت الذي مات بعد صلاة المغرب في الظلام؟ الخميس أكتوبر 24, 2013 8:02 pm | |
| ماحكم دفن الموتى في الليل؟ هل يجوز دفن الميت الذي مات بعد صلاة المغرب في الظلام أم أنه يجب الانتظار حتى الصباح ودفنه؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن دفن الموتى في الليل مختلف فيه بين العلماء، فمنهم من قال بجوازه بلا كراهة، ومنهم من قال: إنه مكروه. وذهب ابن حزم إلى تحريمه كما في المحلى، وتبعه الألباني في أحكام الجنائز.
التحريم للالباني ( مفصلا كما ذكر ): قال الشيخ الألباني في كتابه (أحكام الجنائز ص 175-179)، ولا يجوز الدفن في الحالات الآتية: وذكر منها: في الليل لحديث "أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ذكر رجلاً من أصحابه قُبض فكُفِّن في كفنٍ غير طائل، وقُبر ليلاً، فزجر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك" أخرجه مسلم وغيره، والحديث ظاهر الدلالة على ما ذكرنا، وهو مذهب أحمد- رحمه الله- في رواية عنه ذكرها في (الإنصاف) (2/547)، قال: "لا يفعله إلا لضرورة، وفي أخرى عنه: يُكره". قلت: والأول أقرب لظاهر قوله: "زجر" فإنه أبلغ في النهي من لفظ "نهى" الذي يمكن حمله على الكراهة، على أن الأصل فيه التحريم، ولا صارف له إلى الكراهة. لكن يشكل على ما ذكرنا قوله في الحديث: "حتى يصلى عليه" فإنه يدل بظاهره أيضاً على جواز الدفن ليلاً بعد الصلاة؛ لأنها هي الغاية من النهي، فإذا حصلت ارتفع النهي، لكن يرد عليه قوله: "إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك"، فإن اسم الإشارة فيه يعود إلى المنهي عنه وهو الدفن ليلاً لأسباب كثيرة كما سيأتي عن ابن حزم، ولكننا لا نتصور في وجه من الوجوه أن يضطروا لدفنه دون أن يصلوا عليه، ومما يزيده بُعداً أن هذا المعنى يجعل قيد (الليل) عديم الفائدة، إذ الدفن قبل الصلاة، كما لا يجوز ليلاً، فكذلك لا يجوز نهاراً، فإن جاز ليلاً لضرورة جاز نهاراً من أجلها ولا فرق، فما فائدة التقييد بـ (الليل) حينئذ؟ لا شك أن الفائدة لا تظهر بصورة قوية إلا إذا رجحنا ما استظهرناه أولاً من عدم جواز الدفن ليلاًً، وبيان ذلك: أن الدفن في الليل مظنة قلة المصلين على الميت، فنهى عن الدفن ليلاً حتى يصلى عليه نهاراً، لأن الناس في النهار أنشط في الصلاة عليه، وبذلك تحصل الكثرة من المصلين عليه، هذه الكثرة التي هي من مقاصد الشريعة وأرجى لقبول شفاعتهم في الميت. قال النووي: في (شرح مسلم): (وأما النهي عن القبر ليلاً حتى يصلى عليه، فقيل: سببه أن الدفن نهاراً يحضره كثير من الناس، ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد، وقيل: لأنهم كانوا يفعلون ذلك لرداءة الكفن، فلا يتبين في الليل، ويؤيده أول الحديث وآخره، قال القاضي: العلتان صحيحتان، قال: والظاهر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قصدهما معاً، قال: وقد قيل غير هذا).
قلت: فإذا عرف أن العلة قلة المصلين وخشية رداءة الكفن، ينتج من ذلك أنه لو صُلِّي عليه نهاراً، ثم تأخر دفنه لعذر إلى الليل أنه لا مانع من دفنه فيه لانتفاء العلة وتحقق الغاية وهي كثرة المصلين. وعليه فهل يجوز التأخر بدفن الميت في النهار تحصيلاً للغاية المذكورة؟ استحسن ذلك الصنعاني في (سبل السلام) (2/166)، ولست أرى ذلك؛ لأن العلة المذكورة مقيدة بالليل، فلا يجوز تعديتها إلى النهار لوجود الفارق الكبير بين الظرفين، فإن القلة في الليل أمر طبيعي، بخلاف النهار، فالكثرة فيه هي الطبيعي. ثم إن هذه الكثرة لا حد لها، فكلما تؤخر بالميت زادت الكثرة، ولذلك نرى بعض المترفين الذين يحبون الظهور رياء وسمعة، ولو على حساب الميت قد يؤخرونه اليوم واليومين ليحضر الجنازة أكبر عدد ممكن من المشيعين، فلو قيل بجواز ذلك لأدى إلى مناهضة الشارع في أمره بالإسراع بالجنازة على ما سبق بيانه في المسألة (17) (ص13) بعلة الكثرة التي لا ضابط لها. بعد هذا يتبين لنا الجواب عن الإشكال الذي أوردته في قوله: "حتى يصلى عليه" إذ إنه ظهر أن المراد حتى يصلى عليها نهاراً لكثرة الجماعة، كي تبين أن اسم الإشارة في قوله: "إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك" يعود إلى الدفن ليلاً ولو مع قلة المصلين، لا إلى الدفن مع ترك الصلاة عليه إطلاقاً، فليتأمل فإنه حقيق بالتأمل. ثم قال النووي في (شرح مسلم): (وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل، فكرهه الحسن البصري إلا لضرورةٍ، وهذا الحديث مما يستدل له به، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف، لا يكره، واستدلوا بأن أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- وجماعة من السلف دفنوا ليلاً من غير إنكار، وبحديث المرأة السوداء، والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلاً، وسألهم النبي –صلى الله عليه وسلم-عنه فقالوا: توفي ليلاً فدفناه في الليل، فقال: "ألا آذنتموني، قالوا: كانت ظلمة، ولم ينكر عليهم"، وأجابوا عند هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل، وإنما لترك الصلاة أو لقلة المصلين، أو عن إساءة الكفن، أو عن المجموع كما سبق). قلت: والجواب الأول- وهو أن النهي كان لترك الصلاة- لا يصح؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن ثمة فرق بين الدفن ليلاً أو نهاراً كما سبق بيانه، بل الصواب أن النهي إنما كان للأمرين اللذين سبقا في كلام القاضي، ولذلك اختار ابن حزم أنه لا يجوز أن يدفن أحد ليلاً إلا عن ضرورة، واستدل على ذلك بهذا الحديث، ثم أجاب عن الأحاديث الواردة في الدفن ليلاً، وما في معناها من الآثار بقوله في (المحلى) (5/114-115): (وكل من دفن ليلاً منه صلى الله عليه وسلم، من أزواجه، ومن أصحابه – رضي الله عنهم-، فإنما ذلك لضرورة أوجبت ذلك من خوف الحر على من حضر- وهو بالمدينة شديد- أو خوف تغير، أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلاً، ولا يحل لأحد أن يظن بهم رضي الله عنهم خلاف ذلك). ثم روى كراهة الدفن ليلاً عن سعيد بن المسيب. وأقول: ومن الجائز أن بعض من دفن ليلاً كانوا صلوا عليه نهاراً، وحينئذ فلا تعارض على ما سبق بيانه، وذلك هو الواقع في حقه صلى الله عليه وسلم، فإنهم صلوا عليه يوم الثلاثاء ثم دفنوه ليلة الأربعاء كما ذكر ابن هشام في (سيرته) (4/314) عن ابن إسحاق. والله أعلم.
ففي النهي ورد في الحديث قوله عليه السلام : الأوقات التي ينهى عن الدفن فيها عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال : ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس وحين تضيَّف الشمس للغروب" أخرجه مسلم في صحيحه، فهذه الأوقات الثلاثة لا يصلى على الميت فيها ولا يدفن فيها.
ومما يدل على الجواز بلا كراهة ما رواه أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، وإذا هو يقول: " ناولني صاحبكم، فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر.)
قال الإمام ابن القيم: هذه النار كانت للإضاءة، ولهذا ترجم عليه أبو داود: الدفن بالليل. قال الإمام أحمد: لا بأس بذلك، وقال: أبو بكر دفن ليلاً، وعلي دفن فاطمة ليلاً، وحديث عائشة: " سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي صلى الله عليه وسلم" وممن دفن ليلاً: عثمان، وعائشة وابن مسعود، ورخص فيه عقبة بن عامر، وابن المسيب، وعطاء، والثوري، والشافعي، وإسحاق. وكرهه الحسن، وأحمد في إحدى الروايتين… وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: " مات إنسان، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه. فقال: ما منعكم أن تعلموني؟ فقالوا: كان الليل وكرهنا - وكانت ظلمة- أن نشق عليك فأتى قبره،فصلى عليه".أهـ
ومما يدل على كراهة الدفن ليلاً حديث جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من أصحابه قبض، فكفن في كفن غير طائل، وقبر ليلاً، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك) رواه مسلم قال النووي معقباً، ( فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة، وهذا الحديث مما يستدل له به، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف لا يكره…) كما نقل النووي الإجماع على جواز الدفن ليلاً، فقال عند حديث ( إن علياً دفن فاطمة رضي الله عنها ليلاً): فيه جواز الدفن ليلاً، وهو مجمع عليه، لكن النهار أفضل إذا لم يكن عذر. انظر صحيح مسلم بشرح النووي كتاب الجهاد. والراجح هو ما قاله الإمام ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود: (والذي ينبغي أن يقال في ذلك -والله أعلم- أنه متى كان الدفن ليلاً لا يفوت به شيء من حقوق الميت، والصلاة عليه، فلا بأس به، وعليه تدل أحاديث الجواز، وإن كان يفوت بذلك حقوقه والصلاة عليه وتمام القيام عليه، نهي عن ذلك، وعليه يدل الزجر، وبالله التوفيق).
وبناء على ما تقدم نقول -للسائل الكريم- إنه إذا كان إبقاء الميت ليلاً إلى الصباح لا يؤدي إلى تغيره، ورجي من ذلك أيضاً تكثير المصلين عليه فدفنه بالنهار أفضل، وإذا لم يوجد من يصلي عليه ليلاً، أو لم توجد إضاءة ولم يخش تغيره إن ترك إلى الصباح انتظر به حتى يدفن نهاراً، وإذا توفر عدد لا بأس به للصلاة عليه، وتوفرت الإضاءة جاز دفنه بالليل بلا كراهة. والله أعلم.
| |
|