يراد للعالم عشرة أشياء
ولذا قيل : يراد للعالِم عشرة أشياء :
الخشية ، والنصيحة ، والشفقة ، والاحتمال ، والصبر ، والحلم ، والتواضع ، والعفة عن أموال الناس ، والدوام على النظر في الكتب ، وترك الحاجب ، بل يكون باب بيته مفتوحا للشريف والوضيع .
ولذا قيل :
إذا منع العلم عن العامة لم تنتفع به الخاصة .
وما ذكرنا من أن الناظم وصف نفسه بهذه الأوصاف هو الظاهر ، ويحتمل أن يكون أراد بالشفيق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مادة كلامه وأس نظامه .
فعندي من علم الحديث أمانة سأبذلها جهدي فأهدي وأهتدي ( فعندي ) مستقر وثابت ( مما ) أي من الآداب الثابتة ( في الحديث ) الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفته ( أمانة ) يجب علي حفظها والقيام بأودها ومراعاتها إلى أن أبذلها لأهلها وأنشرها في محلها فأدخل في دعوته صلى الله عليه وسلم { نضر الله وجه امرئ سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه } . الحديث رواه الطبراني في الأوسط .
ولذا قال ( سأبذلها ) أي أعطيها وأجود بها وأنشرها وأجتهد في بذلها ( جهدي ) وطاقتي وأفرغ في ذلك وسعي وقوتي ( فأهدي ) أي أرشد ضالا وأعلم جاهلا وأدل تائها فأفوز بالأجر العظيم والثواب الجسيم ، كما في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه :" لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ". فهذا يدل على فضل العلم والتعليم وشرف منزلة أهله ، بحيث إذا اهتدى رجل واحد بالعالم كان ذلك خيرا له من حمر النعم وهي جيادها وأشرفها عند أهلها ، فما الظن بمن يهتدي كل يوم به طوائف من الناس ؟
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " . فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المتسبب إلى الهدى بدعوته له من الأجر مثل أجر من اهتدى به ، وكذلك المتسبب إلى الضلالة عليه من الوزر مثل وزر من ضل به ، لأن الأول بذل وسعه وقدرته في هداية الناس ، والثاني بذل قدرته في ضلالتهم ، فنزل كل واحد منهما منزلة الفاعل التام .
( وأهتدي ) أنا في نفسي بسبب بذلي للعلم ، فإن العلم يزكو على الإنفاق كما قاله سيدنا الإمام علي رضي الله عنه . فالعالم كلما بذل علمه للناس وأنفق منه تفجرت ينابيعه وازداد كثرة وقوة وظهورا فيكسب بتعليمه حفظ ما علمه ويحصل له علم ما لم يكن عنده .
وربما تكون المسألة في نفسه غير مكشوفة ولا خارجة من حيز الإشكال ، فإذا تكلم بها وعلمها اتضحت له وأضاءت وانفتح له منها علوم أخر . وأيضا فإن الجزاء من جنس العمل ، فكما علم الخلق وهداهم من جهالتهم جازاه الله بأن علمه وهداه من جهالته .
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث طويل :
{ وإن الله قال لي : أنفق ، أنفق عليك } .