من القصص الواقعية: أعظم قصص الابتلاء
قدم قوم من بني عبس فيهم رجل ضرير، على الوليد بن عبد الملك خليفة المؤمنين في ذلك الوقت، فسأله الوليد عن سبب ذهاب بصره، فقال الرجل:
- يا أمير المؤمنين، لم يكن هناك عبسيا يزيد ماله على مالي، ولا يكثر عني أهلا وولدا. فنزلت أنا وأهلي ومالي في بطن أحد الوديان التي يسكن فيها قومي، فجاء سيل شديد لم نر مثله قط، فذهب بجميع ما كان لي من أهل وولد ومال. ولم يتبق لي سوى بعير واحد وطفل صغير حديث الولادة.
وكان البعير صعب المراس، فشرد مني، فوضعت الصبي على الأرض لكي أتمكن من تتبع البعير. فلم أجاوز مكاني إلا قليلا حتى سمعت صيحة ابني. فالتفت فوجدت رأس الطفل في فم الذئب وهو يأكله. فجريت إليه ولكن لم استطع إنقاذه، فقد كان قد أتى عليه.
فالتفت اجري نحو البعير لأحبسه، فلما دنوت منه رفسني برجله على وجهي فشجه وذهب ببصري. وهكذا وجدت نفسي في ليلة واحدة بلا مال ولا أهل ولا ولد ولا بصر.
فقال الوليد:
- انطلقوا به إلى عروة بن الزبير، ليعلم أن في الناس من هو أعظم منه بلاء.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: " من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ". ( الحديث حسّنه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم 6042 ).
هذه القصة مبسوطة في كتب التراث، وقد قرأتها في وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، تحقيق د/ إحسان عباس، دار صادر، بيروت، المجلد الثالث، ص: 256، في ترجمة عروة بن الزبير. كما نقلها أيضا عبد الرحمن رأفت الباشا في كتابه: صور من حياة التابعين، دار الأدب الإسلامي، 1997، ص ص: 38 – 51، في قصة عروة بن الزبير.