الطعام للميت، الاطعام لروحه والتصدق عنه وله ، الوضيمة: حكم صنع الطعام للميت، وأحكام التعزية ما هي أقوال أصحاب المذاهب الأربعة في حُكم صُنْعِ أَهلِ الميِّتِ الطعامَ للناسِ في العزَاء؟
اولا:
تقديم العزاء لأهل المتوفى : مستحب و ليس بواجب.
لما صح من حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"
ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة ."
المنذري في الترغيب والترهيب: 4/262 . وابن ماجه :1311 و
صنع الطعام لأهل الميت:
مستحب .
قال الإمام
النووي في
المجموع شرح المهذب:
(
ويستحب لأقرباء الميت وجيرانه أن يصلحوا لأهل الميت طعاما لما روي أنه : {
لما قتل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
اصنعوا لآل جعفر طعاما ، فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم عنه" }.
والحديث المذكور رواه
أبو داود و
الترمذي و
ابن ماجه و
البيهقي وغيرهم من رواية
عبد الله بن جعفر ، قال الترمذي حديث حسن ، ورواه
أحمد بن حنبل و
ابن ماجه أيضا من رواية
أسماء بنت عميس ( وقوله ) صلى الله عليه وسلم
يشغلهم فقد قتل
جعفر رضي الله عنه في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة في غزوة
مؤتة ، وهي موضع معروف بالشام عند الكرك ،
واتفقت نصوص الشافعي في الأم والمختصر والأصحاب على أنه يستحب لأقرباء الميت وجيرانه أن يعملوا طعاما لأهل الميت ، ويكون بحيث يشبعهم في يومهم وليلتهم .
قال
الشافعي في
المختصر :
"
وأحب لقرابة الميت وجيرانه أن يعملوا لأهل الميت في يومهم وليلتهم طعاما يشبعهم ، فإنه سنة ، وفعل أهل الخير ، قال أصحابنا : ويلح عليهم في الأكل ولو كان الميت في بلد آخر يستحب لجيران أهله أن يعملوا لهم طعاما "
قال أصحابنا رحمهم الله :
"
ولو كان النساء ينحن لم يجز اتخاذ طعام لهن ، لأنه إعانة على المعصية".
قال
صاحب الشامل وغيره :
"
وأما إصلاح أهل الميت طعاما وجمع الناس عليه فلم ينقل فيه شيء ، وهو بدعة غير مستحبة ". هذا كلام صاحب الشامل.ويستدل لهذا بحديث
جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : "
كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة " رواه
أحمد بن حنبل و
ابن ماجه بإسناد صحيح . وليس في رواية ابن ماجه :
بعد دفنه" .
أما تقديم الأكل للمعزين واجتماعهم في بيت العزاء بمناسبة الوفاة فإنه لا يجوز، لأنه من البدع والمحدثات التي أحدثها الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم و
أصحابه والسلف الصالح، ولأنه كذلك من النياحة وتعظيم المصيبة... ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وفي رواية:
من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
وعن
جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال:
"
كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة." رواه الإمام أحمد وابن ماجه
وإذا تقرر أن الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة التي ورد النهي عنها، فالمتعين على المسلم أن لا يشارك فيه ولا يأكل منه.
...........................
أقوال السادة الأحناف و المالكية و الشافعبة و الحنابلة:
الأحناف:
قال
ابنُ عَابدِين في كِتَابِهِ
رَدِّ المُحتَـار على الدُّرِّ المُخْتَار :
"
وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ! وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ
جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
"
كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ" ."
................................
المالكية:
قالَ
مُحمد بن مُحمد بن عبد الرحمن (الحَطاب)في
مَواهِبِ الجَلِيلِ في شَرحِ مُختَصَرِ خَلِيل"
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَيَّأَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ :
" وَيَجُوزُ حَمْلُ الطَّعَامِ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُمْ فَاجَأَهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد، لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْبِرِّ وَالتَّوَدُّدِ لِلْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ.
" أَمَّا إصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ وَعَدُّوهُ مِنْ الْبِدَعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ شَيْءٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَائِمِ أَمَّا عَقْرُ الْبَهَائِمِ وَذَبْحُهَا عَلَى الْقَبْرِ فَمِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ...".
قَالَ الْعُلَمَاءُ:" الْعَقْرُ الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَأَمَّا مَا يَذْبَحُهُ الْإِنْسَانُ فِي بَيْتِهِ وَيُطْعِمُهُ لِلْفُقَرَاءِ صَدَقَةً عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا مُفَاخَرَةً وَلَمْ يَجْمَعْ عَلَيْهِ النَّاسَ".
..................................
الشافِعِية:
قالَ
الهَيتَمِيُّ فِي
شَرحِ المِنهَاج:
"
وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ جَعْلِ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِيَدْعُوا النَّاسَ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ كَإِجَابَتِهِمْ لِذَلِكَ، لِمَا صَحَّ عَنْ جَرِيرٍ "
كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ"
قال
الشَّرواني في
الحاشية:
" (
قَوْلُهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ)
عِبَارَةُ شَيْخِنَا بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ بَلْ تَحْرُمُ ".
وقَال
الغمروايُّ في
السِّراج الوَهَّاج على مَتنِ المِنهَاج:
"
وَأما إصْلَاح أهل الْمَيِّت طَعَاما وَجمع النَّاس عَلَيْهِ فبدعة تعد من النِّيَاحَة ".
.......................................
الحنابلة:
قَال
البهوتيُّ في
كَشَّاف القِناع:
"
وَيُسَنُّ أَنْ يُصْنَعَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ ثَلَاثًا) أَيْ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لِقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرَ طَعَامًا فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ... ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَأَتَاهُمْ نَعْيُهُ.وَيَنْوِي فِعْلَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ (لَا لِمَنْ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ، فَيُكْرَهُ) لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ.
نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنْكَرَه شَدِيدًا، وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ جَرِيرٍ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ قَالَ: " كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ ".
(
وَيُكْرَهُ فِعْلُهُمْ) أَيْ: فِعْلُ أَهْلِ الْمَيِّتِ (
ذَلِكَ) أَيْ: الطَّعَامِ (
لِلنَّاسِ) الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَهُمْ، لِمَا تَقَدَّمَ.
(قَالَ
الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) كَالشَّارِحِ (
إلَّا مِنْ حَاجَةٍ) تَدْعُو إلَى فِعْلِهِمْ الطَّعَامَ لِلنَّاسِ (
كَأَنْ يَجِيئَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الْبَعِيدَةِ وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ، فَلَا يُمْكِنُهُمْ) عَادَةً (
إلَّا أَنْ يُطْعِمُوهُ) فَ
يَصْنَعُونَ مَا يُطْعِمُونَهُ لَهُ .
(
وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامِهِمْ، قَالَهُ فِي
النَّظْمِ ،
وَإِنْ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ وَفِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ) أَوْ
مَنْ لَمْ يَأْذَنْ (
حَرُمَ فِعْلُهُ، وَ حَرُمَ الْأَكْلُ مِنْهُ) "
.................................
جاء في "
إنجاح الحاجة"
شرح سنن ابن ماجه:
قَالَ
السُّيُوطِيّ فِي
الدّرّ النثير:
"
الْأَمر الْحَادِث الْمُنكر الَّذِي لَيْسَ بِمَعْرُوف فِي السّنة، والمفاد من هَذَا الحَدِيث -وَالله أعلم- أن هَذَا الْأَمر كَانَ فِي الِابْتِدَاء على الطَّرِيقَة المسنونة ثمَّ صَار حَدثاً فِي الْإِسْلَام حَيْثُ صَار مفاخرة ومباهاة كَمَا هُوَ الْمَعْهُود فِي زَمَاننَا؛ لِأَن النَّاس يَجْتَمعُونَ عِنْد أهل الْمَيِّت فيبعث أقاربهم أطعمة لَا تَخْلُو عَن التَّكَلُّف فَيدْخل بِهَذَا السَّبَب الْبِدْعَة الشنيعة فيهم.
وَأما صَنْعَة الطَّعَام من أهل الْمَيِّت إِذا كَانَ للْفُقَرَاء فَلَا بَأْس بِهِ؛ لِأَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل دَعْوَة الْمَرْأَة الَّتِي مَاتَ زَوجهَا ، كَمَا فِي سنَن أبي دَاوُد ، وَأما إِذا كَانَ للأغنياء والاضياف فممنوع ومكروه لحَدِيث أَحْمد وَابْن ماجة فِي الْبَاب الَّاتِي "كُنَّا نرى الِاجْتِمَاع وصنعة الطَّعَام من أهل الْمَيِّت من النِّيَاحَة " أَي نعد وزره كوزر النوح". أهـ
.......................
ما حكم إطعام المعزين أيام العزاء؟
و
هل فيه أجر؟
أحذركم هذه البدعة الضاله والعادة السيئة،،لا ريب أن هذه مخالفة صريحة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فلا جرم أنه ممنوع شرعا وبدعه محرمة والوصية به باطلة ، هذا الذي أعتمده وأراه وأعمل به وأدعو إليه لذلك كان ترك هذه الولائم هو عين الصواب ، ولا أجر في الإطعام بل فيه وزر لأنه خلاف للسنه ، والله أعلم.
ما الذي يجوز تقديمه من الطعام للمعزين ؟
التمر والقهوة والماء بغير زياده ، والله أعلم.
هل يجوز للمعزين الأكل من طعام العزاء؟
و
من حلف أصحاب العزاء عليه أن يأكل من طعام العزاء فهل يبر بقسمهم؟
هو من ضمن الممنوعات فلا يسلم الآكل من الوزر، و
لا يبر قسمهم لما فيه من مخالفة السنة ، والله أعلم.
من أين يأكل الضيوف الذين يأتون للعزاء إذا كان الأكل من طعام العزاء لا يصح؟
يأكلون من بيوتهم ، ولا داعي إلى حضورهم العزاء إن كان لابد فيه من ضيافتهم ، والله أعلم.
هل التبرع بتغطية نفقات ولائم العزاء فيه أجر ويعد تعاونا على الخير؟
لا ثواب للمنفق فهي بدعة محرمة ومن شارك في بدعة او اعان عليها فهو آثم ، والله أعلم.
هل لأهل العزاء معازمة المعزين ودعوتهم للجلوس للطعام؟
لا يسوغ لهم ذلك ، والله أعلم.
ما هي السنة في العزاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام حتى نتبعها؟
السنة أن يصنع طعام من قبل جيران المصاب ليأكل منه أصحاب المصيبه لأنهم مشغولين بمصيبتهم عن الاشتغال بطعامهم ، والله أعلم.
المصدر : فتاوي الجنائز للخليلي ملخص ( ص 148-160)...................
الصدقة للميت:
اتفق العلماء على قبول الصدقة عن المتوفى، لحديث
عائشة رضي الله عنها:
"
أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم، إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم."
متفق عليه. قال
الشوكاني:
"
والحديث يدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما، ويصل إليهما ثوابها، فيخصص عموم قوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى. "
انتهى.
وقد حكى الإمام
النووي الإجماع على وصول ثواب الصدقة، ويدخل في ذلك صنيعة الطعام وغيره، فكل ذلك من البر، أما ما رواه الإمام
أحمد بسند صححه
الألباني في
أحكام الجنائز عن
جرير قال:"
كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة."
فإن في هذا الأثر أن المحظور هو صنع الطعام بعد الدفن، لأن فيه مشقة على أهل الميت على ما هم فيه من الحزن، ولما فيه من مخالفة السنة وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:"
اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم."
رواه أحمد وأبو داود وقال
ابن قدامة رحمه الله في
المغني :
"
يستحب إصلاح طعام لأهل الميت، يبعث به إليهم، إعانة لهم، وجبرا لقلوبهم، فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم".
اما التصدق عن الميت بالطعام أو غيره دون اجتماع الناس في بيت الميت، ليس فيه محذور شرعي وليس داخلا في هذه الكراهة.
اجمع الأئمة الاربعة من أهل العلم بأن صنع أهل الميت للطعام بدعة مستقبحة مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم
مضادة لأمره، حيث أمر أن يصنع الناس لأهل الميت طعاماً مواساة لهم.
كما
نصوا أن الأكل من ذلك الطعام الذي يصنعه أهل الميت مكروه، بل عده بعضهم من النياحة المنهي عنها نهي تحريم. هذا إذا كان الطعام من مال أهل الميت، أما إذا كان من التركة ، فلا يجوز الأكل منه إذا كان من الورثة من هو غير بالغ رشيد، أو كان فيهم من لا يرضى بذلك، ولا تسمح به نفسه.
اما تعزية المسلم في مصابه فمستحبة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "
من عزى مصاباً فله مثل أجره"
رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي غريب. وقوله: "
من عزى أخاه بمصيبة كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة" .
رواه ابن ماجه. وقت التعزية:
اختلف أهل العلم فيه، فذهب بعضهم إلى أنها
تكون قبل الدفن.
به قال
أبو حنيفة و
الثوري لقوله صلى الله عليه وسلم:
"
فإذا وجب فلا تبكين باكية"
أخرجه مالك والشافعي وأحمد وأبو داود.
وقيل في
المراد بالوجوب:
إنه هو
دخول القبرـ كما وقع في رواية عند
أحمد ـ
لأن وقت الموت هو وقت الصدمة الأولى، والتعزية تليه فينبغي أن تكون التعزية في وقت الصدمة التي يطلب الصبر عندها.
وقيل في معنى
الوجوب: إنه هو
الموت وهو الراجح من أقوال أهل العلم، لثبوت هذا المعنى في عدة أحاديث أخر.
ففي
سنن أبي داود و
النسائي و
ابن حبان: قالوا: (
وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: "
الموت").
والمقصود بالبكاء المنهي عنه هو:
البكاء مع رفع الصوت، وهو النواح. فقد روى أحمد في مسنده عن
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
إياكن ونعيق الشيطان" ثم قال: "
إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل، ومن اليد واللسان فمن الشيطان"
وعن
أنس قال:
(
شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان).
رواه البخاري.
وذهب الجمهور إلى أن التعزية تكون بعد الدفن لانشغال أهل الميت بتجهيزه، وتكون قبله كذلك إن ظهر من أهل الميت شدة جزع قبل الدفن، فتعجل التعزية لذلك.
والمستحب عقب الدفن أن يقام على القبر، ويدعى للميت بالتثبيت، كما روى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم:" أنه كان إذا دفن الرجل من أصحابه يقوم على قبره" ويقول: "سلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل". و
يكون دعاؤه له وهو واقف، لما رواه
سعيد بن منصور عن
ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم: "
كان يقف فيدعو".
وأما
وقوف قرابة الميت صفاً، ومجيء المشيعين لتعزيتهم بعد دفن ميتهم فلا حرج في ذلك لبلوغ المقصود به ـ وهو التعزية ـ وهذا أيسر عليهم جميعاً، وكيفما حصلت التعزية صحت.
قال
الشافعي رحمه الله:
(
والتعزية من حين موت الميت في المنزل، والمسجد، وطريق القبور، وبعد الدفن، ومتى عزى فحسن، فإذا شهد الجنازة أحببت أن تؤخر التعزية إلى أن يدفن الميت... ويعزى الصغير والكبير والمرأة، إلا أن تكون شابة فيقتصر في تعزيتها على محارمها.)
انتهى.
وليس الوقوف لتلقي العزاء بعد الدفن من الاجتماع للتعزية الذي كرهه بعض أهل العلم.
قال
الشيرازي في
المهذب:
(
ويكره الجلوس للتعزية لأن ذلك محدث، والمحدث بدعة).
وفي الجلوس لها تجديد للأحزان. وقد روى أحمد عن
جرير قال:
(
كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة).
وفي حصولها بعد الدفن على المقابر أبلغ أثر، وهو أمنع لتجدد الأحزان.
ولا يشرع لمن عزى بعد الدفن أو في أي وقت تكرار التعزية، لقوله صلى الله عليه وسلم :
"
أعظم العيادة أجراً أخفها والتعزية مرة" رواه
البيهقي في
شعب الإيمان عن
جابر بن عبد الله ، ورواه
البزار في
مسنده عن
علي رضي الله عنه
وفيه ضعف.
وقد
اتفق المذاهب الأربعة المتبوعة على أن اجتماع الناس على طعام بيت الميت أمر مكروه مخالف للسنة ، وهو من البدع المكروهة لا المحرمة. واستثنى الحنابلة الضيوف، فيجوز إطعامهم.
و
لم يكن العمل عند السلف الصالح على عمل الولائم والطعام للمعزين، ويكون الأمر أشد إذا كان ذلك من مال اليتامى القصر والورثة الذين لا تطيب أنفسهم بذلك.
ولا يشرع قراءة القرآن للميت ،
لأنه عمل محدث، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولا عن أصحابه، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، واستئجار مقرئ لذلك منكر آخر، وقد قال العلماء:" إن القارئ لأجل المال لا ثواب له.
أي شيء يهدى للميت و يصح فعله ؟
المشروع: الإحسان إلى أهل الميت ومواساتهم، وتعزيتهم، وصنع الطعام وتقديمه إليهم، والدعاء للميت، وإخراج الصدقة عنه.
و
التصدق بالطعام دون اجتماع في بيت الميت، فـليس فيه محذور وليس داخلا تحت الكراهة.
و
ليس الإطعام في المسجد من الزينة الواردة في
سورة الأعراف:31 ، قوله تعالى :"
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ "