لماذا كان هناك غياب لأم يوسف من القصه القرآنية مع انها ذكرت في آواخر السورة : (ورﻓَﻊَ ﺃَﺑَﻮَﻳْﻪِ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟْﻌَﺮْﺵِ ﻭَﺧَﺮُّﻭﺍ ﻟَﻪُ ﺳُﺠَّﺪًﺍ)فقد ذكر أهل التفسير والأخبار أن
أم يوسف عليه السلام تسمى راحيل قد توفيت عنه وهو صغير في نفاس شقيقه بنيامين، و
لذلك لم يرد لها ذكر فيما قصه الله علينا من شأنه، وأما قوله تعالى في آخر القصة:
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا {يوسف:100}، فالمراد بذلك
أبوه وخالته .كذا قال غير واحد من المفسرين.
وقصص القرآن الكريم إنما تركز على الدروس والعظات والعبر التي يمكن أن تستفاد من القصة.
كذلكم
نجد في سورة يوسف ، محورالعلاقة بين الاباء والابناء ،
1-
عند الرؤيا وفي اول السورة يوسف عليه السلام ذهب الي ابيه يخبره ..
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ (سورة يوسف 4)
2-
يعقوب عليه السلام يخبر يوسف عليه السلام بنعمة الله على ابويه من قبل ..
كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ (سورة يوسف 6)
3-
تحاور الاخوة ، وان يعقوب عليه السلام (وليس الام ) يحب يوسف عليه السلام واخوه اكثر منهمإِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا (سورة يوسف
4-
إستئذان الاخوة في اخذ يوسف عليه السلام من يعقوب عليه السلامقَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ (سورة يوسف 11)
5-
يوسف عليه السلام في السجن يخبر صاحبي السجنوَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ (سورة يوسف 38)
وهكذا نجد في جميع ايات السورة (
تعلق الاحداث بالاباء والابناء ) ، فنرى ظهور يعقوب عليه السلام، والتكلم عنه ، فهو نبي وعلاقته بإبنائه ، فجاءت خاتمه السورة كذلك مقدمه له عند الايواء والرفع على العرش
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ (سورة يوسف 99)
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا (سورة يوسف 100)
يوصلنا هذا ، لمبحث اخر وهو الفرق بين مفردتي (
الابوين ) و (
الوالدين ) في القران ،
فالابوين هما الاب والام ولكن المفرده قدمت الاب في قصة يوسف عليه السلام ، لما سبق ذكره .. فالسياق كله في سورة يوسف عليه السلام وقصته ، كانت حول يعقوب عليه السلام (
الاب )
وليس حول أم يوسفعليه السلام (الام ).
وعند ذكر (
الوالدين ) في ايات اخرى كقوله تعالى
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (سورة البقرة 83) ،
هما الام والاب ، ولكن هنا قدمت الام لما تضمنته كلمة (
الوالدين ) لمعنى الولادة وعظم رتبة الاحسان لها وتقديمها على الوالد، فتأمل الفرق .
وإن شاء الله تجد في الاجابة خير ، يغني عن الخوض في امور لانعلمها إلا بوحي ، مثل كم كانت ام يوسف تحب إبنها ( ، ورضى الله عنها ) ، لان ماتكنه لإبنها كان بلا شك حب عظيم لايعلم قدره إلا الله ، ولكن البشر هكذا خلقهم الله يتفاوتوا في التعبير عن حزنهم .
من سورة الكهف
قوله تعالى :
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) (سورة الكهف 80)
هنا نلاحظ ،
تقديم الاب على الام ولكن الايمان يشملهما معا وكذلك الضرر يقع عليهما جميعا ويمكن إستنباط بعض الامور من هذا التقديم منها .. : أن ضرر طغيان وكفر الابن ، سيكون وقوعه وتاثيره على الاب بدرجه اكبر من الام .
ومرة اخرى ... للتوضيح :
عندما يرد التعبير في القرآن الكريم (
الوالدين) فالمراد
الأبوين الحقيقيين اللذين ينتسب إليهما الإبناء ويكونوا نتاج زواج الأبوين ،
فالوالدين تسمية متعلقة بالنسب ، ولكن الأبوة لا يشترط أن تكون متعلقة بالنسب المباشر ولكن بالرعاية والاطعام والتربية أو بالأبوة الإيمانية ،
وكل والدين هما أبوين وليس كل أبوين والدين ، وإذا رجعنا لقوله تعالى:
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133]
فقد تكون
زوجة يعقوب عليه السلام التي حضرت برفقته لقصر يوسف عليه السلام لم تكن والدته (أمه) فوالدة يوسف عليه السلام (
راحيل) توفيت أثناء ولادة ابنها بنيامين حسب المصادر التاريخية:
"
توفيت راحيل حين اشتد ألم الولادة بها أثناء إنجابها لابنها الثاني بنيامين، ودفنها زوجها النبي يعقوب في مدينة بيت لحم بفلسطين، وأكثر زوار القبر هم من اليهود، حيث يذهبون إليه لقراءة الكتب المقدسة."
وهنا نفهم سبب عدم مجيء القرآن الكريم على ذكر موقف والدته لأنها لم تكن حاضرة في الموقف ولكن من حضرت زوجة يعقوب عليه السلام فلم يكن لها عاطفة أمومة تجاه يوسف عليه السلام كما عواطف الأب يعقوب عليه السلام
وجاء في الحديث الذي فيه تسمية
العم بقية الاباء وبالوالد فهو قريب من اية سورة البقرة (133)
قوله عليه الصلاة والسلام للعباس (
ولِمَ لا أقولُ وأنت عمِّي وبقيَّةُ آبائي والعَمُّ والدٌ )
الراوي: أم الفضل بنت الحارث المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 9/278 خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن
قال الإمام ابن عاشور :
أن القرآن الكريم لايذكر جميع أحداث القصة،بل يأتي على أهم مافيها.
وكذلك : في قصة سيدنا
موسى عليه السلام ورد ذكر امه ولم يرد ذكر اباه ....فالعبرة بمقاصد الآيات .
فائدة لغوية :
ومن
قواعد التغليب تغليب الاسم المفرد على المركب من لفظين مثل : (
العمران:
أبو بكر و
عمر) فغُلّب لفظ عمر لا تقديما للشخص بل لإفراد اللفظ .
قال ابن عاشور قوله تعالى: "
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ" [56]. فقال: إن
القوم يشمل النساء بطريق التغليب العرفي في الكلام، كما يشمل لفظُ: "
المؤمنين" "
المؤمنات"
في اصطلاح القرآن، بقرينة مقام التشريع، فإن أصله التساوي في الأحكام إلا ما اقتضى الدليل تخصيص أحد الصنفين به.
تغليب المذكر بصفة المؤنثقال تعالى : "
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" ([58]).
كلمة: (
الوالدين) في اللغة مثنى يقصد به
الوالد والوالدة، من باب
تغليب المذكر، وإنما قلت: هو تغليب للمذكر بصفة المؤنث؛ لأن الكلمة مأخوذة من (
الولادة)
وهذا ما يكون على الحقيقة من المرأة لا الرجل، وحتى يشمل اللفظ القرآني الوالد والوالدة كان لا بد من هذا المثنى؛ لأنه لو قال بالتأنيث: (الوالدتين) لما شمل الوالد والوالدة في لغة العرب، كما أنه لا يكون لمولود واحد والدتان!
وحاد التعبير القرآني عن كلمة (
الأبوين) التي تغلب المذكر من غير صفة للمؤنث فيه؛ لأن الآية الكريمة لم تذكر الأب، بل سورة لقمان كاملة ليس فيها لفظ: (
أب)، وإنما ذكرت الأم الحامل، وذكرت الولادة والرضاع، وكل هذه الأمور نسائية، لذلك ناسب أن يكون التغليب بصفة من صفات المرأة، فالصيغة للرجل والمعنى للمرأة. وهكذا يكون حظ المرأة من هذا التغليب أكبر من حظ الرجل.
والتغليب بهذه الطريقة كأنه يشير إلى أن الإحسان في صحبة الأم مقدم على الإحسان للأب كما مر في الحديث.
ولإظهار المزيد من تكريم المرأة في القرآن الكريم، وعدم تمييز الرجل عليها أقول: إن كل آيات الإحسان
للأب والأم في القرآن الكريم كانت بلفظ (
الوالدين) ليكون حظ المرأة فيها أكبر من حظ الرجل.
والله أعلم.