زهرة كاتبة متميزة واميرة الاشراف
عدد المساهمات : 261 تاريخ التسجيل : 27/02/2010 العمر : 29 الموقع : www.yahoo.com
| موضوع: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا - شرح الحديث الأربعاء فبراير 11, 2015 6:41 pm | |
| شرح حديث :" من نفس عن مؤمن كربة "
الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَكْمَلَ لَنا الدِّينَ وأَتَمَّ عَلَيْنا النِّعْمَةَ وجَعَلَ أُمَّتَنا وللهِ الحَمْدُ خَيْرَ أُمَّةٍ وبَعَثَ فِينا رَسُولاً مِنّا يَتْلُو عَلَيْنا ءاياتِهِ ويُزَكِّينا ويُعَلِّمُنا الكِتابَ والحِكْمَة. أَحْمَدُهُ عَلى نِعَمِهِ الجَمَّةِ وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهادَةً تَكُونُ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِها خَيْرَ عِصْمَةٍ وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ أَرْسَلَهُ لِلْعالَمِينَ رَحْمَةً وفَرَضَ عَلَيْهِ بَيانَ ما أَنْزَلَ إِلَيْنا فَأَوْضَحَ لَنا كُلَّ الأُمُورِ الْمُهِمَّةِ فَأَدَّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى ءالِهِ وأَصْحابِهِ أُولِي الفَضْلِ والهِمَّة.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ … فَإِنِّي أُوصِي نَفْسِي وإِيّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ وَٱلْتِزامِ نَهْجِ النَّبِيِّ الكَرِيمِ والصَّبْرِ عَلى البَلاءِ والثَّباتِ عَلى الهُدَى والتَّوَكُّلِ عَلى اللهِ والثِّقَةِ بِاللهِ :
أَلاَ بِالصَّبْرِ تَبْلُغُ ما تُرِيد وبِالتَّقْوَى يَلِينُ لَكَ الحَدِيد
رَوَى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ :" مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَة، ومَنْ يَسَّرَ عَلى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ومَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ ومَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلى الجَنَّةِ وما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ ويَتَدارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ومَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ " اهـ الراوي : أبو هريرة .المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2699. خلاصة حكم المحدث: صحيح
فَقَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ :" مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ "اهـ هَذا يَرْجِعُ إِلى أَنَّ الجَزاءَ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، وقَدْ تَكاثَرَتِ النُّصُوصُ بِهَذا الْمَعْنَى كَحَدِيثِ " إِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ " [1] اهـ، وحَدِيثِ :" إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ الناسَ في الدُّنْيا "[2]اهـ والكُرْبَةُ هِيَ الشِّدَّةُ العَظِيمَةُ الَّتِي تُوقِعُ صاحِبَها في الكَرْبِ، وتَنْفِيسُها أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ مِنْها والتَّفْرِيجُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وهُوَ أَنْ تُزالَ عَنْهُ الكُرْبَةُ فَيَزُولُ هَمُّهُ وغَمُّهُ، فَجَزاءُ التَّنْفِيسِ التَّنْفِيسُ وجَزاءُ التَّفْرِيجِ التَّفْرِيجُ.
وقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ :" كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَة " اهـ ذَلِكَ لأَنَّ كُرَبَ الدُّنْيا بِالنِّسْبَةِ إِلى كُرَبِ الآخِرَةِ كَلاَ شَىْءٍ، فَفِي البُخارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قالَ:" يَعْرَقُ الناسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِراعًا، ويُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ ءاذانَهُمْ " {3} .اهـ
وفي مُسْلِمٍ عَنِ الـمِقْدادِ بْنِ الأَسْوَدِ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ:" تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مَنْهُمْ كَمِقْدارِ مِيلٍ فَيَكُونُ الناسُ عَلى قَدْرِ أَعْمالِهِمْ في العَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى كَعْبَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى رُكْبَتَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى حَقْوَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلْجامًا. اهـ >4<.قالَ وأَشارَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسَلَّمَ إِلى فِيهِ.
وقَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ :" ومَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ "اهـ هَذا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِعْسارَ يَحْصُلُ في الآخِرَةِ وقَدْ وَصَفَ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ بِأَنَّهُ يَوْمٌ عَسِيرٌ وأَنَّهُ عَلَى الكُفّارِ غَيْرُ يَسِيرٍ فَدَلَّ أَنَّ يُسْراهُ عَلَى غَيْرِهِمْ وقالَ تَعالى ﴿وكانَ يَوْمًا عَلَى الكافِرِينَ عَسِيرًا﴾[5]
التَّيْسِيرُ عَلَى الْمُعْسِرِ في الدُّنْيا مِنْ جِهَةِ الْمالِ يَكُونُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمّا بِإِنْظارِهِ إِلى الْمَيْسَرَةِ وذَلِكَ واجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَإِن كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾[البقرة:280] وتارَةً بِالوَضْعِ عَنْهُ إِنْ كانَ الْمُيَسِّرُ غَرِيمًا وإِلاّ بِإِعْطائِهِ ما يَزُولُ بِهِ إِعْسارُهُ وكِلاهُما لَهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ :" كانَ تاجِرٌ يُدايِنُ الناسَ فِإِذا رَأَى مُعْسِرًا قالَ لِفِتْيانِهِ تَجاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللهَ يَتَجاوَزُ عَنّا فَتَجاوَزَ اللهُ عَنْهُ" اهـ >7< وفِيهِما عَنْ حُذَيْفَةَ وأَبي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ :" ماتَ رَجُلٌ فَقِيلَ لَهُ بِمَ غَفَرَ اللهُ لَكَ ؟ فَقالَ كُنْتُ أُبايِعُ الناسَ فَأَتَجَوَّزُ عَنِ الْمُوسِرِ وأُخَفِّفُ عَنِ الْمُعْسِرِ" اهـ >8<
ومِمّا يَشْهَدُ لِقَوْلِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ :" وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ " اهـ ما رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قالَ : أَدْرَكْتُ قَوْمًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُيُوبٌ فَذَكَرُوا عُيُوبَ الناسِ فَذَكَرَ الناسُ لَهُمْ عُيُوبًا وأَدْرَكْتُ قَوْمًا كانَتْ لَهُمْ عُيُوبٌ فَكَفُّوا عَنْ عُيُوبِ الناسِ فَنَسِينا عُيُوبَهُمْ اهـ أَوْ كَما قالَ.
وأَخْرَجَ ابْنُ ماجَه عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ :" مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ القِيامَةِ ومَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِها في بَيْتِهِ " اهـ >9<
وٱعْلَمُوا إِخْوَةَ الإِيمانِ أَنَّ الناسَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُما مَسْتُورٌ فَوَقَعَتْ مِنْهُ زَلَّةٌ فَلا يَجُوزُ هَتْكُهُ ولا كَشْفُها لأَنَّ هَذا غِيبَةٌ مُحَرَّمَة، قالَ تَعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾[النور:19] والثانِي الْمُعْلِنُ لِلْفُجُورِ والفُسُوقِ الْمُجاهِرُ بِها فَهَذا لا غِيبَةَ لَهُ كَما قالَ الحَسَنُ ولَكِنْ لا يُتَّخَذُ ذِكْرُهُ بِالسُّوءِ وِرْدًا أَوْ تَشَفِّيًا وإِنَّما يُذْكَرُ لِزَجْرِهِ ولِيُقامَ عَلَيْهِ الحَدُّ ولِيَرْتَدِعَ بِهِ أَمْثالُه، ومَنْ فَعَلَ ما يُوجِبُ الحَدَّ ثُمَّ تابَ قَبْلَ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ فَالأَوْلَى لَهُ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ ولا يَأْتِي إِلى الإِمامِ لِيُخْبِرَهُ بِما فَرَّطَ فِيهِ وقَدْ تابَ مِنْهُ.
وأَمّا قَوْلُهُ صَلّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ :" وَاللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ " اهـ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا :" أَفْضَلُ الأَعْمالِ إِدْخالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ أَوْ أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ أَوْ قَضَيْتَ حاجَتَهُ " اهـ>11<
وكانَ عُمَرُ يَتَعاهَدُ الأَرامِلَ يَسْتَقِي لَهُنَّ الْماءَ بِاللَّيْلِ وقَدْ حَصَلَ أَنْ رَءاهُ طَلْحَةُ بِاللَّيْلِ يَدْخُلُ بَيْتَ امْرَأَةٍ فَدَخَلَ إِلَيْها طَلْحَةُ نَهارًا فَإِذا هِيَ عَجُوزٌ عَمْياءُ مُقْعَدَةٌ، فَسَأَلَها ماذا يَصْنَعُ هَذا الرَّجُلُ عِنْدَكِ ؟ فَقالَتْ هَذا مِن كَذا وكَذا يَتَعاهَدُنِي يَأْتِينِي بِما يُصْلِحُنِي ويُخْرِجُ عَنِّي الأَذَى فَقالَ طَلْحَةُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا طَلْحَةُ أَعَوْراتِ عُمَرَ تَتَّبِعُ. وكانَ كَثِيرٌ مِنَ الصالِحِينَ يَشْتَرِطُ عَلى أَصْحابِهِ أَنْ يَخْدِمَهُمْ، فَقَدْ صَحِبَ رَجُلٌ قَوْمًا في الجِهادِ فَٱشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْدِمَهُمْ، وكانَ إِذا أَرادَ واحِدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ أَوْ ثَوْبَهُ قامَ هُوَ فَفَعَلَ لَهُمْ ذَلِكَ . ثُمَّ لَمَّا ماتَ جَرَّدُوهُ لِلْغُسْلِ فَرَأَوْا عَلَى يَدِهِ مَكْتُوبًا (مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) فَنَظَرُوا فَإِذا هِيَ كِتابَةٌ بَيْنَ الجِلْدِ واللَّحْمِ.
وقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ :" ومَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلى الجَنَّة اهـ وسُلُوكُ الطَّرِيقِ لاِلْتِماسِ العِلْمِ يَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الحَقِيقِيِّ بِالْمَشْيِ بِالأَقْدامِ ونَحْوِها ويَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْمَعْنَوِيِّ مِثْلُ حِفْظِهِ ودَرْسِهِ ومُذاكَرَتِهِ وكِتابَتِهِ ونَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدْ يَكُونُ الْمُرادُ أَنَّ اللهَ يُسَهِّلُ لَهُ العِلْمَ الَّذِي طَلَبَهُ وسَلَكَ طَرِيقَهُ ويَسَّرَهُ لَهُ، وعِلْمُ الدِّينِ طَرِيقٌ يُوصِلُ إِلى الجَنَّةِ . وقَدْ يُرادُ بِهِ أَيْضًا أَنَّ اللهَ يُيَسِّرُ لِطالِبِ العِلْمِ الْمُخْلِصِ سُبُلَ الهِدايَةِ لِسُلُوكِ طَرِيقِ الجَنَّةِ فَيَكُونُ طَلَبُهُ لِلْعِلْمِ سَبَبًا لِهِدايَتِهِ ولِدُخُولِ الجَنَّةِ فَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ العِلْمِ ولَمْ يَعْوَجَّ عَنْهُ وَصَلَ إِلى الجَنَّةِ مِنْ أَقْرَبِ الطُّرُقِ وأَسْهَلِها، فَلا طَرِيقَ إِلى مَعْرِفَةِ اللهِ وإِلى الوُصُولِ إِلى رِضْوانِهِ إِلاَّ بِالعِلْمِ النافِعِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ رُسُلَهُ وأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ.
وقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ :" وما اجتمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ ويَتَدارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ " اهـ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبابِ الجُلُوسِ في الـمَساجِدِ لِتَلاوَةِ القُرْءانِ ومُدارَسَتِهِ، وإِنْ حُمِلَ عَلى تَعَلُّمِ القُرْءانِ وتَعْلِيمِهِ فَلا خِلافَ في اسْتِحْبابِهِ. وفي البُخارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ :" خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْءانَ وعَلَّمَهُ " اهـ >12<
وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ خَرَجَ عَلى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحابِهِ فَقالَ:" ما أَجْلَسَكُمْ ؟ قالُوا :"جَلَسْنا نَذْكُرُ اللهَ ونَحْمَدُهُ عَلى ما هَدانا لِلإِسْلامِ ومَنَّ بِهِ عَلَيْنا "قالَ:" آللهِ ما أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذاكَ ؟" قالُوا :" وَاللهِ ما أَجْلَسَنا إِلاَّ ذاكَ "قالَ :" أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ولَكِنَّهُ أَتانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُباهِي بِكُمُ الْمَلائِكَة " اهـ >13<
اللَّهُمَّ سَهِّلْ لَنا سُبُلَ الهِدايَةِ لِسُلُوكِ طَرِيقِ الجَنَّةِ أَقُولُ قَوْلِي هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي ولَكُم.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنا محمَّدٍ الأَمِينِ وعَلى ءالِهِ وصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطاهِرِين. وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَه.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ اتَّقُوا اللهَ في السِّرِّ والعَلَنِ ولا تَمُوتُنَّ إِلاّ وأَنْتُمْ مُسْلِمُون. لَيْسَ الشَّأْنُ عِنْدَ اللهِ تَعالى بِحُسْنِ الْمَظْهَرِ وقُوَّةِ العَشِيرَةِ والسَّنَدِ بَلِ الشَّأْنُ عِنْدَ اللهِ تَعالى بِالثَّباتِ عَلَى الإِيمانِ وحُسْنِ الخِتامِ فَقَدْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ في جِنازَةِ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ كانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ لَمْ تَكُنْ مِنْ مَشاهِيرِ الْمُسْلِماتِ ولَكِنَّها كانَتْ تَكْنُسُ الْمَسْجِدَ فَلَمّا ماتَتْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ومَشَى في جِنازَتِها. نَسْأَلُ اللهَ تَعالى حُسْنَ الخِتام.
وَٱعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نِبِيِّهِ الكريمِ فَقالَ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)﴾[6]. اَللَّهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلى آلِ سيدِنا محمدٍ كَمَا صَلَّيْتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى آلِ سيدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيدِنا محمدٍ وعلى آلِ سيدِنا محمدٍ كَمَا بارَكْتَ على سيدِنا إِبراهيمَ وعلى آلِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اَللَّهُمَّ يا رَبَّنا إِنَّا دَعَوْناكَ فَٱسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا وكَفِّرْ عَنّا سَيِّئاتِنا وتَوَفَّنا وأَنْتَ راضٍ عَنّا يا رَبَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْزُقْنا عِلْمًا نافِعًا، اللَّهُمَّ وٱنْفَعْنا بِما عَلَّمْتَنا وَٱنْفَعْ بِنا يا رَبَّنا، اللَّهُمَّ عَلِّمْنا ما جَهِلْنا وذَكِّرْنا ما نَسِينا وٱجْعَلِ القُرْءانَ رَبِيعَ قُلُوبِنا ونُورًا لأَبْصارِنا وجَوارِحِنا وتَوَفَّنا عَلى هَدْيِهِ وأَكْرِمْنا بِحِفْظِهِ وٱحْفَظْنا بِبَرَكَتِهِ وبَرَكَةِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ عَليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وَٱرْزُقْنا شَفاعَتَهُ يا أَرْحَمَ الراحِمِين. وٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ والأَمْواتِ إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَواتِ.
عِبادَ اللهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ وَالـمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. أُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ وَٱسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَٱتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنَ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ. ............................... الاحالات واللواحق:
[1] رواه البخاري. ونصه : كان ابنٌ لبعضِ بناتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقضي، فأرسلَتْ إليه أن يأتيَها، فأرسَل : " إنَّ للهِ ما أخَذ، وله ما أعطى، وكلٌّ إلى أجلٍ مُسَمًّى، فلتَصبِرْ ولتحتَسِبْ " . فأرسلَتْ إليه، فأقسمَتْ عليه، فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقُمتُ معَه، ومُعاذُ بنُ جبلٍ وأُبَيُّ بنُ كعبٍ وعُبادَةُ بنُ الصامِتِ، فلما دخَلْنا، ناوَلوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصِبيَّ، ونفسُه تقَلقَلُ في صدرِه، حسِبتُه قال : كأنها شَنَّةٌ، فبكى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال سعدُ بنُ عُبادَةَ : أتَبكي ؟ فقال : " إنما يَرحَمُ اللهُ من عبادِه الرحماءَ" الراوي: أسامة بن زيد المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7448.خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[2] رواه مسلم. ونصه : مرَّ هشامُ بنُ حكيمِ بنِ حزامٍ على أُناسٍ من الأنباطِ بالشامِ . قد أُقِيموا في الشمسِ . فقال : ما شأنُهم ؟ قالوا : حُبِسوا في الجِزيةِ . فقال هشام : أشهد لَسمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول " إنَّ اللهَ يُعذِّبُ الذين يُعذِّبون الناسَ في الدنيا " . وزاد في حديثِ جريرٍ : قال وأميرُهم يومئذٍ عُمَيرُ بنُ سعدٍ على فلسطينَ فدخل عليه فحدَّثه . فأمر بهم فخَلُّوا . الراوي: عروة بن الزبير المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2613. خلاصة حكم المحدث: صحيح
[3]رواه البخاري . ونصه: " يعرَقُ النَّاسُ يومَ القيامةِ حتَّى يذهبَ عرقُهم في الأرضِ سبعين ذراعًا ، ويُلجِمُهم حتَّى يبلُغَ آذانَهم " الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6532. خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[4]رواه مسلم. وهذا نصه : " تُدْني الشمسُ ، يومَ القيامةِ ، مِنَ الخلقِ ، حتى تكونَ منهمْ كمقدارِ ميلٍ . قال سليمُ بنُ عامرٍ : فواللهِ ! ما أدري ما يعني بالميلِ ؟ أمسافةُ الأرضِ ، أمْ الميلُ الذي تَكتحلُ بهِ العينُ . قال : فيكونُ الناسُ على قدرِ أعمالِهمْ في العرقِ . فمنهمْ مَنْ يكونُ إلى كعبيهِ . ومنهمْ مَنْ يكونُ إلى ركبتيهِ . ومنهمْ مَنْ يكونُ إلى حقويهِ . ومنهمْ مَنْ يُلجمُهُ العرقُ إلجامًا ". قال وأشارَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بيدِهِ إلى فيهِ . الراوي: المقداد بن الأسود المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2864. خلاصة حكم المحدث: صحيح
[5] سورة الفرقان / آية 26
[6] سورة البقرة / آية 280
[7]رواية البخاري . ونصها: " كان تاجرٌ يُداينُ الناسَ ، فإذا رأى مُعسرًا قال لفتيانِهِ : تجاوزوا عنهُ ، لعلَّ اللهَ أن يتجاوز عنَّا ، فتجاوزَ اللهُ عنهُ" الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2078. خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[8]رواية البخاري عن حذيفة رضي الله عنه . ونصها/ " سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ : "مات رجلٌ ، فقيل له ، قال : كنتُ أبايعُ الناسَ ، فأتجوَّزُ عن المُوسِر ، وأخفِّفُ عن المُعْسِرِ ، فغُفِرَ له ." الراوي: حذيفة بن اليمان المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2391. خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[9]رواه ابن ماجه. وذكره الالباني في صحيح ابن ماجه. زنصه: " مَن سترَ عورةَ أخيهِ المسلمِ سترَ اللَّهُ عورتَهُ يومَ القيامةِ ومن كشفَ عورةَ أخيهِ المسلمِ كشفَ اللَّهُ عورتَهُ حتَّى يفضحَهُ بِها في بيتِهِ " الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 2079 . سورة النور / ءاية 19
[10] سورة الأحزاب
[11]صحيح الترغيب. ونصه: " أفضلُ الأعمالِ إدخالُ السُّرورِ على المؤمنِ ؛ كسوتَ عورتَه ، وأشبعْتَ جَوعتَه ، أو قضيْتَ له حاجةً " الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 2090. خلاصة حكم المحدث: حسن
[12]رواه البخاري . ونصه: " خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه ". قال : وأقرَأَ أبو عبدِ الرحمنِ في إمرةِ عُثمانَ حتى كان الحَجَّاجُ ، قال : وذاكَ الذي أقعَدني مَقعَدي هذا . الراوي: عثمان بن عفان المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5027. خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[13]رواه مسلم . وهذا نصه: خرج معاويةُ على حلقةٍ في المسجدِ . فقال : ما أجلَسَكم ؟ قالوا : جلَسْنا نذكرُ اللهَ . قال : آللهِ ! ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : واللهِ ! ما أجلسَنا إلا ذاك . قال : أما إني لم أستحلفْكم تهمةً لكم . وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أقلَّ عنه حديثًا مني . وإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرج على حلقةٍ من أصحابِه . فقال " ما أجلَسَكم ؟ " قالوا : جلسْنا نذكرُ اللهَ ونحمدُه على ما هدانا للإسلامِ ، ومنَّ به علينا . قال " آللهِ ! ما أجلسَكم إلا ذاك ؟ " قالوا : واللهِ ! ما أجلسَنا إلا ذاك . قال " أما إني لم أستحلِفْكم تهمةً لكم . ولكنه أتاني جبريلُ فأخبرَني ؛ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يباهي بكم الملائكةَ " . الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2701. خلاصة حكم المحدث: صحيح
| |
|