سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبرائيل عليه السلام :" هل أنت تضحك ؟" قال له :"نعم ". قال له النبي صلى الله عليه وسلم :" متى ؟"
حديث باطل لا أصل له في أن الله تعالى لم يخلق الراحة في الدنيا !!السؤال:
سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبرائيل عليه السلام : هل أنت تضحك ؟ قال له نعم . قال له النبي صلى الله عليه وسلم : متى ؟ قال : عندما يخلق الإنسان ، ومن أول ما يولد إلى إن يموت ، وهو يبحث عن شيء ، وهو لم يخلق في الدنيا . تعجب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما هو الشيء الذي يبحث عنه الإنسان ، ولم يخلق في الدنيا ؟ قال جبرائيل : الراحة ؛ إن الله لم يخلق الراحة في الدنيا ، بل خلقها في الآخرة .
الجواب :
الحمد لله:
لا نعرف لهذا الحديث أصلاً ، وعلامات الوضع عليه ظاهرة ، فهو حديث ركيك اللفظ ، لا يشبه كلام النبوة ، وهو بالأحاجي والألغاز التي يلغز بها الناس ، أشبه منه بكلام من أعطي جوامع الكلم .
قال
ابن القيم رحمه الله :
"
والأحاديث الموضوعة : عليها ظلمة ، وركاكة ، ومجازفات باردة ، تنادي على وضعها واختلاقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم " . انتهى من " المنار المنيف " (ص/50) .
وقد ذكر هذا الحديث موقع "
الدرر السنية " بإشراف الشيخ
علوي السقاف حفظه الله ضمن أحاديث منتشرة في الانترنت برقم (728) ، وقال : "
باطل " .
http://dorar.net/spreadH/index?page=49ويغني عنه ما رواه الإمام أحمد (24399) عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
إنما يستريح من غُفر له ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " (2319) .
وروى
أحمد في " الزهد " (ص128) عن
ابن مسعود رضي الله عنه قال : "
لَا رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " (2/116) .
وعن
مُحَمَّد بْن حسنويه قَالَ : حضرت أبا عبد اللَّه أَحْمَد بن حنبل وجاءه رجل من أهل خراسان ، فقال :
يا أبا عَبْد اللَّهِ قصدتك من خراسان أسألك عَنْ مسألة !!
قَالَ : له سل .
قَالَ :
متى يجد العبد طعم الراحة ؟قَالَ : "
عند أول قدم يضعها فِي الجنة " انتهى من " طبقات الحنابلة " (1/ 293) .
فليس في الدنيا راحة كبرى تامة ، قال ربنا تبارك وتعالى :"
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ .يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ" (39ـ38) سورة غافر.
ووصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها سجن للمؤمن وجنة للكافر , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"
الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِر." أخرجه أحمد 2/323(8272) و\"مسلم\" 8/210 و\"التِّرمِذي\" 1324 .
فهي راحة صغرى للكافر وراحة يظن بأنها راحة ، لما ينعم به من الصحة والجاه والمال والسلطان وغيرها من زينة الدنيا.
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ؛أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ ، فَقَالَ :"
مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ "، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟ قَالَ :"
الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ."
أخرجه \"أحمد\" 5/296 (22903) و\"البُخاري\" 8/133 (6512) و\"مسلم\" 3/54 (2160).
لكنها للمؤمن الباحث عن الراحة الكبرى، لا يجدها الا بالقرب من الله وطاعته والشوق للقائه ولقاء نبيه مع الكرام في دار الجنة والمقام .
قال تعالى : "
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "(97) سورة النحل .
الراحة الكبرى للمؤمن :
1.
عند الموت .
2.
حينما يرى مقعده في الجنة .
3.
حينما يأخذ كتابه بيمينه .
4.
حينما يمر من على الصراط .
5.
حينما يدخل الجنة .
فالمسلم العاقل هو من يفهم الدنيا على حقيقتها فيتخذها معبراً ومزرعة للآخرة ، عن ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ:أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ جَسَدِى فَقَالَ:"
يَا عَبْدَ اللَّهِ كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ كَأَنَّكَ عَابِرُ سَبِيلٍ وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ."
فَقَالَ لي ابْنُ عُمَرَ :"
إِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ غَدًا." أَخْرَجَهُ أحمد 2/24(4764) و\"البُخَاريّ\" 8/110(6416).
فلا يجعلها همه ، ولا يجعل سعيه كله من أجل تحصيل المتع والملذات فيها ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"
مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ ، جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ." أخرجه التِّرْمِذِي (2465) الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 1 / 689 .
قَالَ رَجُلٌ لِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! صِفْ لَنَا الدُّنْيَا . قَالَ :"
وَمَا أَصِفُ لَكَ مِنْ دَارٍ مَنْ صَحَّ فِيهَا أَمِنْ ، وَمَنْ سَقَمَ فِيهَا نَدِمَ ، وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ ، وَمَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ ، حَلَالُهَا حِسَابٌ ، وَحَرَامُهَا عَذَابٌ ؟ !." ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم 2/371.
يقول الشاعر :
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها يمسى ويصبح مغرورا وغرارا
هلا تركت من الدنيا معانقة حتى تعانق في الفردوس ابكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها فينبغي لك أن لا تأمن الناراقال
أحد الصالحين :"
أيها الناس ألا إنما الدنيا ساعة فاجعلوها طاعة، إن النفس طماعة فعودوها القناعة، إن الدنيا إذا حلت أوحلت، وإذا كست أوكست، وإذا أينعت نعت، وإذا جلت أوجلت، وكم من فتىً مدت له رباعها، فلما مدت له بَاَعَها باعها، وكم من ملك رفعت له علامات، فلما علا مات، ولا يبقى غير وجه ربك ذو الجلال والإكرام".