tamaraahmaro القلم المميز والكاتب النشيط
عدد المساهمات : 212 تاريخ التسجيل : 18/08/2011 العمر : 34
| موضوع: اللحن في قراءة القرآن الكريم : اللحن الجلي والخفي تعريفهما وأمثلة وحكم كل منهما الثلاثاء أكتوبر 14, 2014 4:30 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
اللحن في قراءة القرآن الكريم : اللحن الجلي والخفي
اعلم أخي - يا صاحب القرآن - أن الله - تعالى - أنزل القرآن بالتجويد؛ حيث قال سبحانه: ﴿ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32]؛ أي: أنزلناه بالترتيل، وهو التجويد الذي ثبتت فرضيتُه بالكتاب والسنة وإجماع الأمة - كما تقدَّم - فاللحن فيه حرام، قال - تعالى -: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ [الزمر: 28]، فينبغي للقارئ أن يعرف اللحن ليتجنَّبه، وهذا كمعرفة نحو السحر ليجتنب، وقد أشار الخاقاني إلى ذلك بقوله: فأولُ علمِ الذكر إتقانُ حفظِه ومعرفة باللحن مِن فيك إذ يجري فكُنْ عارفًا باللحنِ كيما تزيلَه وما للذي لا يعرفُ اللحن من عذرِ
فإذا تحلَّى القارئ بالوصفينِ، وبرئ من اللحنين، عُدَّ من أُولي الإتقان، ونظم في سلك أهل القرآن، فاللهم اجعلنا منهم برحمتك ولطفك يا كريم يا رحمن. ثم إن اللحن يأتي في لغة العرب على معانٍ، والمراد به هنا: الخطأ والانحراف، والميل عن الصواب، وهو نوعان، جلي وخفي، ولكل واحد منهما حد يخصه، وحقيقة يمتاز بها عن صاحبه، والأول حرام بالإجماع، والثاني فيه قولان؛ قول بالكراهة وقول بالتحريم، والمعتمد عندي الأول؛ دفعًا للحرج عن الأمة، وهذا ما ذكره شيخنا العلامة/ عثمان سليمان مراد - رحمه الله - في السلسبيل حيث قال: واللحنُ قسمانِ جَلِيّ وخَفِي كلٌّ حرامٌ مع خلافٍ في الخَفِي أما الجَلِي فخطأٌ في المبنَى خل به أو لا يخلُّ المعنى أما الخَفِي فخطأ في العُرفِ من غير إخلالٍ كترك الوصفِ لا يَعرِفُ الخَفِي سوى المجوِّدِ ويَعرِف الجَلِي كلُّ واحدِ
اللحن الجلي: اللحن في اللغة: الخطأ والانحراف والميل عن الصواب في اللغة والإعراب، فهو لاحن. والجلي من الظهور والوضوح.
واللحن الجلي في الاصطلاح: خطأ يطرأ على اللفظ، فيخلُّ بعرفِ القراءة ومبنى الكلمة، سواء أخل بالمعنى أم لم يخلَّ، وسمي جليًّا؛ لأنه ظاهر يشتركُ في معرفته علماء القراءات وغيرهم، ويكون في الحروف والكلمات، والحركات والسكنات.
أما في الحروف، فله ثلاث صور:
1- إبدال حرف مكان حرف؛ كإبدال الحاء من: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ بحرف هاء، وإبدال الضاد من: ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ ﴾ بطاء، وإبدال التاء من: ﴿ ثَيِّبَاتٍ ﴾ بسين، والنون من: ﴿ أَنْعَمْتَ ﴾ بلام، والذال من: ﴿ الَّذِينَ ﴾ بزاي، والتاء من: ﴿ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ بطاء، والسين منها بصاد، والغين من: ﴿ الْمَغْضُوبِ ﴾ بقاف، والضاد من: ﴿ الضالِّين ﴾ بظاء، وإبدال الجيم من: ﴿ جَاءَكُمْ ﴾ بحرف: (G) صوتا ، باللغة الإنجليزية، وغير ذلك مما يجري فيه الإبدال.
2- زيادة حرف على مبنى الكلمة؛ كزيادة الألف بعد اللام في قوله - تعالى -: ﴿ وَلَتُسْأَلُنَّ ﴾ حيث تقرأ، ولا تسألن، وزيادة الواو أو الفاء عند بداية الكلام؛ كقراءة: وإذ قال بدلاً من: ﴿ إِذْ قَالَ ﴾، وغير ذلك من الزيادات كيفما جاءت.
3- إنقاص حرف من مبنى الكلمة أو من النص؛ كأن يقرأ: إذا جاءت الطامة بدل: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ ﴾ و: ولتموتن إلا وأنتم مسلمون، بدل من: ﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، أو غير ذلك من صور الإنقاص كيفما جاءت.
ويكون بالكلمات، وله ثلاث صور:
1- إبدال كلمة بكلمة؛ كقراءة: (والله غفور رحيم)، بدل: ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ أو العكس، وغير ذلك من الإبدال كيف ورد.
2- زيادة كلمة على الآية؛ كزيادة مؤمنة، على قوله - تعالى -: ﴿ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾، أو غير ذلك من الزيادة كيف وردت.
3- إنقاص كلمة من آية؛ كأن يقرأ: ولله ما في السموات و الأرض، بدل: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾، أو غير ذلك من النقص كيف جاء.
ويكون بالحركات والسكنات: كإبدال الفتحة من: ﴿ أَنْعَمْتَ ﴾ بالضمة أو الكسرة، والسكون بالفتحة، وإبدال الضمة من: ﴿ الْحَمْدُ ﴾ بفتحة أو كسرة، ونحو ذلك.
حكم اللحن الجلي:
اللحنُ الجَلِي إذا حصل في سورة الفاتحة إما أن يخلَّ بالمعنى وإما ألا يخلَّ؛ فإن أخلَّ بالمعنى يُبطِل الصلاة بلا خلاف، وإن لم يخلَّ بالمعنى فالفتوى على أنه لا يبطل الصلاة، ولكن مع الإثم، أما في غير الفاتحة، فلا تبطل به الصلاة، سواء أخلَّ بالمعنى أم لم يخل، إلا إذا كان متعمدًا، ولكن مع الإثم أيضًا. .............................
اللحن الخفي: وهو في اللغة المستتر. وفي الاصطلاح: خطأ يطرأ على الألفاظ، فيخل بالعُرْف ولا يخل بالمبنى، سواء أخل بالمعنى أم لم يخلَّ.
ومن العلماء من يقول: إن اللحن الخفي لا تأثير له على المعنى، وسمي خفيًّا؛ لأن معرفته مختصة بعلماء القراءة دون غيرهم، وهو نوعان: فالأول: يعرفه عامَّة القراء؛ كترك الإدغام في مكانه، والإظهار، والإقلاب، والإخفاء، وترقيق المفخَّم، وتفخيم المرقَّق، وتخفيف المشدَّد، وتشديد المخفَّف، وقصر الممدود، ومد المقصور، وترك الغُنَّة، وغنة ما لا غنة له، وغير ذلك مما هو مخالف لقواعد التجويد. والثاني: لا يعرفه إلا المَهَرة من المُقرِئين؛ كتكرير الراءات، وترعيد الصوت بالمد والغنة، وزيادة المد على مقداره أو إنقاصه، وتطنين النونات، والزيادة أو الإنقاص من مقدار الغنة، وغير ذلك مما يخل باللفظ ويذهب برونقه.
• كما يكون في الحركات؛ كنطق الضمة التي بعدها سكون حركة بين الضمة والفتحة، ولتلافي ذلك لا بد من مراعاة ضم الشفتين عند كل ضمة بعدها سكون، كما في: (كنتم - آمنتم - هم - عليكم...)، وكذلك في الكسرة التي بعدها سكون؛ فإنها تنطق حركة بين الكسرة والفتحة، ولتلافي ذلك يقدَّم الفك الأسفل على الفك الأعلى عند كل كسرة بعدها سكون.. وكذلك في الحركات الثلاث المتوالية فأكثر؛ فإن اللسان العربي يستثقل نطقها، ولذلك يختلس جزءًا من بعض الحركات، فلا تكون حركة كاملة، كما في: ( وضرب - كمثل - مثلهم - شجرة - فإذا...) وغيرها.
وللتخلص من هذا الاختلاس ندقِّق على الحركات كلها؛ بحيث يكون الزمن واحدًا في الجميع، لكن لا ينبغي الزيادة في التدقيق لئلاَّ يتولد حرف مد. وكذلك في الكسرة التي بعدها ياء؛ فإن الياء والكسرة متجانستان، غير أن الياء أقوى من الكسرة، فتأكل الكسرة أو بعضها، كما في: (مالك يوم الدين)، فيلزم تحقيق كسرة الكاف من غير إشباع؛ حتى لا تأكلها - كلَّها أو بعضَها - الياءُ، وحتى لا يتولَّد بعدها ياء مرققة. وكذلك في الضمة التي بعدها واو، فإن الواو والضمة متجانستان، غير أن الواو أقوى من الضمة، فتأكلها كلها أو بعضها، كما في: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فيلزم تحقيق ضمة الدال من غير إشباع؛ حتى لا تأكلها - كلَّها أو بعضَها - الواوُ، وحتى لا يتولَّد بعدها واو مديَّة.
• ويكون أيضًا في الحروف، ومن ذلك تخفيف الحرف المشدَّد، كما في: ﴿ إِيَّاكَ ﴾ فإنها تقرأ لحنًا بياء مخففة، وهذا لحن خفي يخل بالمعنى؛ حيث: " إياك" بالتخفيف معناها قرص الشمس. وكتخفيف الراء المشددة في: ﴿ الرَّحْمَنِ ﴾ فهذا أيضًا من اللحن الخفي الذي يغيِّر المعنى؛ فإنها إذا قرأت بالتخفيف يصبح المعنى استفهامًا عن كون الله - تعالى - رحمانًا أم لا؛ لذلك لا بد من مراعاة التشديد في الحروف المشددة.
• ويكون أيضًا في إشباع الحركات، فيتولَّد بعد الفتحة ألف، كما في: (بث - تلك) فتصبحان: (بثا – تلكا )، وبعد الضمة واو، كما في: ( وينشر – ويهب) فتصبحان : (وينشرو –ويهبو) ، وبعد الكسرة ياء، كما في (مالك – أكرمنِ)، فتصبحان: (مالكي – أكرمني )، لذلك كان لا بد من تحقيق الحركات بزمن يقدَّر بفتح الأصبع أو ضمه من غير إفراط ولا تفريط؛ حتى لا تذهب الحركة أو بعضها، ولا يتولَّد بعدها حرف مدٍّ مجانس لها، وأكثر ما يحصل ذلك في الكسرة التي يأتي بعدها سكون عند الوقف، كما في (المدثر - فأنذر - فكبِّر...)، فتصبح هذه الكلمات: المدثير - فأنذير – فكبير.. وهكذا.
• ويكون بحذف الهاء الساكنة أو تاء التأنيث المربوطة - كلها أو بعضها - عند الوقف عليها؛ كما في (واستغفره – القارعة )؛ حيث يوقف عليها لحنًا هكذا (واستغفر – القارعَ )، لهذا كان لا بدَّ من تحقيق الهاء الساكنة والتاء المربوطة التي يُوقَف عليها بهاء ساكنة بهمسهما ورخاوتها.
• ويكون بأكل بعض الحروف إذا توالت، سواء كان في كلمة واحدة، كما في (تتمارى - ووجدك...) أو في كلمتين، كما في: (فصلِّ لربك - كيف فعل...)، ولهذا كان لا بد من إحداث توازن بين الحرفين؛ بحيث يستغرق نطق أحدهما نَفْس الزمن الذي يستغرقه الآخر.
• ويكون بأكل بعض الحروف الذلقى والواو عند الابتداء؛ وذلك لسهولة ويُسْر مخرجها، كما في (فإذا - وإذا - الأمر - ربما – بئسما )؛ لذلك لا بدَّ من قراءتها بهدوء وبطء؛ حتى لا يذهب بعضُ هذه الحروف، وأكثر ما يظهر ذلك عند الابتداء بالفاء أو الواو، غير أن ذلك كله يحتاج إلى مشافهة من المقرئين الحاذقين.
• لحون الأداء: ولأهمية هذا الموضوع أفردتُه بالكتابة؛ لما يترتب عليه من إخراج الكلمات عن معانيها أحيانًا كثيرة، فقد ينطق القارئ الكلمة سليمة الحروف، مضبوطة الحركات والسكنات والشدَّات، غير أن طريقة أدائها تخلُّ بالمعنى وبفصاحة الكلام العربي المبين، كلام الله رب العالمين، وأسبابه الرئيسية؛ هي:
1- نبرُ الحركات - أي دفعها - في غير حاجة إلى دفع. 2- عدم نبر الحركة - أي عدم دفعها - عند الحاجة إلى دفعها. 3- عدم مراعاة توالي الحركات، ومن أمثلتها:
• تأويله: حيث معناها من التأويل، فتؤدَّى بطريقة تكون من الإيواء. • أعمالكم : حيث معناها من الأعمال، فتؤدَّى بطريقة تكون من العمى. • ولِي: حيث معناها وخاصتي، فتؤدَّى بطريقة تكون من ولي الأمر. • فسَقَى: حيث إن معناها من السُّقيا، فتؤدَّى بطريقة تكون من الفسق. • فتَرَى: حيث معناها من الرؤية، فتؤدَّى بطريقة تكون من الفتور. • فقَسَت: حيث معناها من القسوة، فتؤدَّى بطريقة تكون من الفقس. • وكَفَى: حيث معناها من الكفاية، فتؤدَّى بطريقة تكون من الوكف. • وعَسَى: حيث معناها من عسى، فتؤدَّى بطريقة تكون من الوعس. • لَمَع: حيث معناها من المعيَّة، فتؤدَّى بطريقة تكون من اللمعان. • عليمًا: حيث معناها من العلم، فتؤدَّى بطريقة تكون عَلِي مَن؟ • ومضى: حيث معناها من المُضِي، فتؤدَّى تكون من الوميض. • لَهُوَ: حيث معناها: "هُوَ" الضمير، فتؤدَّى بطريقة تكون من اللهو. • مُرسِلُو الناقة: حيث معناها جمع، فتؤدَّى بطريقة تُوهِم أنها مفردة. • حاضرِي المسجد: حيث معناها جمع، فتؤدَّى بطريقة تُوهِم أنها مفردة. • كانتا اثنتين: حيث معناها التثنية، فتؤدَّى بطريقة تُوهِم أنها مفردة. • جامعُ الناس: حيث معناها الإفراد، فتؤدَّى بطريقة تُوهِم أنها جمع. • فاطرُ السموات: حيث معناها الإفراد، فتؤدَّى بطريقة تُوهِم أنها جمع. • مالكُ الملك: حيث معناها الإفراد، فتؤدَّى بطريقة تُوهِم أنها مثنى. • واتركِ البحر: حيث معناها التذكير، فتؤدَّى بطريقة تُوهِم أنها مؤنثة. • العفوُّ: حيث الحرف الأخير مشدد، فيؤدي بطريقة تُوهِم أنه مخفف. • مستمرٌّ: حيث الحرف الأخير مشدد، فيؤدي بطريقة تُوهِم أنه مخفف. • وازدجرْ: حيث الحرف الأخير مخفَّف، فيؤدي بطريقة تُوهِم أنه مشدد. • سُلَّمًا: حيث الكلمة موصولة من السُلَّم، فتؤدَّى بطريقة تُوهِم أنها مفصولة؛ سل ما. • وساء لهم: حيث "ساء" مفصولة عن "لهم"، فتؤدَّى بطريقة تُوهِم أنها موصولة من المساءلة. • ويسِّر لي: حيث "يسر" مفصولة عن "لي"، فتؤدَّى بطريقة تُوهِم أنها موصولة. • إلا هو: حيث "إلا" مفصولة عن "هو" فتؤدَّى بطريقة تُوهِم أنها موصولة. • أَسْلِحَتَهُمْ: حيث فيها أربع حركات متوالية، فتؤدَّى بطريقة يختلس من بعض حركاتها. • يَعِظُكم: حيث فيها أربع حركات متوالية، فتؤدَّى بطريقة يختلس من بعض حركاتها. • فقد افترى: "قد" مفصولة عن "افترى"، فتؤدَّى بطريقة توهم أنها موصولة بالفاء. • فقد استمسك: "قد" مفصولة عن "استمسك"، فتؤدَّى بطريقة توهم أنها موصولة بالسين. • أفلا: استفهام وعطف ونفي، فتؤدَّى بطريقة توهم أنها من الأفول.
• هذه نماذج من لحون الأداء، وهي غير مستقصاة، وللتعرف على طريقة أدائها الصحيح ينبغي الرجوع إلى المشايخ المتقنين، ولا يجوز الاجتهاد والقياس بدون سند من التلقي. حكم اللحن الخفي:
اللحن الخفي في نوعِه الأوَّل محرَّم؛ لأن القارئ إذا ترك الغنة، والإظهار، والإدغام، والإخفاء، والإقلاب، والمد، والقصر، فماذا بقي من أحكام التجويد؟! وكيف توصف التلاوة بعد ذلك بالصحة؟! إن ترك هذه الأحكام لا يتفق مع قواعد التجويد المُجمَع عليها بين عامة المسلمين. يقول ابن الجزري - رحمه الله - في النشر: " ولا شك أن هذه الأمة كما هم متعبدون بتفهُّم معاني القرآن وإقامة حدوده، متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة، المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية، التي لا تجوز مخالفتها ولا العدول عنها ".
ومما يؤكد لنا هذا موقفُ عبدالله بن مسعود ممَّن قرأ كلمة: (الفقراء) من غير مدٍّ، مع أن ذلك لا يغيِّر المعنى، ثم قرأها عليه ممدودة، فهذا يدل على أنه تلقاها من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ممدودة كما سبق.
غير أنني أرى ما ذهب إليه بعض علماء التجويد من أن النوع الثاني من اللحن الخفي ليس بمحرم؛ لأنه يحتاج إلى مهارة فائقة، وذوق رفيع، وهذا لا يتوافر عند الكثير، لكن ينبغي على الإنسان أن يجاهد نفسه بالتدريب والتمرين؛ حتى يكون حاذقًا ماهرًا.
• أسباب اللحن:وخلاصة ما تقدَّم لا يسعني إلا أن أُعَدِّدَ أسباب اللحن، فأقول:
1- الجهل بمخارج الحروف: فيؤدي إلى استبدال حرف بحرف.
2- الجهل بصفات الحروف: فيؤدي إلى استبدال حرف بحرف، وتقبيح الحروف، وأكل القوي منها الضعيف.
3- الجهل بحقائق الحركات والسكنات - الضبط النحوي - فيؤدي إلى استبدال السكون بحركة، أو تشديد المخفف، أو تخفيف المشدد، وهكذا.
4- يبوسة اللسان والحنك: فيؤدي إلى خلط الحروف والحركات، أو استبدالها، أو تغييرها عن مسارها، أو أكل بعضها.
5- العجمة: فتؤدي إلى نطق الحروف التي لا مثيل لها في لغته الأصلية على غير حقيقتها.
6- الأُمِّية: وخاصة مع كبر السن، فإنها تؤدي إلى تغيير الحروف والحركات والسكنات، أو عدم إعطائها مستحقاتها.
7- اللهجات المحلية: فإنها تؤدي إلى تغير بعض الحروف، ومسار الحركات، وعدم إعطاء الحروف مستحقاتها من الصفات؛ حيث تنطق في اللهجة لحنًا.
8- عدم المعرفة بأحكام التجويد، أو الجهل بتطبيقها: فيمدُّ ما لا مدَّ فيه، أو يترك مدَّ ما فيه مد، أو يزيد في مدِّه، أو ينقصه، أو يخلط بين أحكام الميم الساكنة، كما يخلط بين أحكام النون الساكنة والتنوين، والميم والنون المشدَّدتينِ، ولا يميز أحكام اللامات السواكن، وغير ذلك من الأحكام.
9- الضعف الشديد في اللغة العربية نحوًا وصرفًا: حيث يخلط بين الحركات والحروف.
10- التقصير في إعطاء القرآن حقه من الاهتمام بتعلم الأداء الصحيح من المشايخ المتقنين.
11- الالتباس: وهو نوعان: 1- التباسٌ سببه الحروف: وهو أن تماثل كلمةٌ كلمةً أخرى في جميع الحروف إلا حرفاً واحدًا، وكلا الكلمتين موجود في القرآن، كما في: (رجز) تلتبس بـ (رجس)، و(عسى) تلتبس بـ: (عصى)، و(يخشى) تلتبس بـ: (يغشى)، و(محذورًا) تلتبس بـ: (محظورًا)، و(ضلَّ) تلتبس بـ: (ظل)، و(بسطة) تلتبس بـ: (بصطة)، و(المنذرين) تلتبس بـ: (المنظرين)، و(يُسْحَبون) تلتبس بـ: (يُصبحون)، وهكذا في كل نظير.
2- التباسٌ سببه الحركات والسكنات، وهو أن تماثل الكلمةُ كلمةً أخرى في جميع الحروف، ولكنهما تختلفان في حركة واحدة، أو في سكون، أو فيهما معًا، كما في: (المخلَصين) تلتبس بـ: (المخلِصين)، و(منذَرين) تلتبس بـ: (منذِرين)، و(كفُوا) تلتبس بـ: (كفْوا)، و(خالِدَينِ) تلتبس بـ: (خالِدِينَ)، وهكذا في كل نظير.
وخلاصة القول:
إن الناس في قراءتهم إما محسن مأجور، وإما مسيء مأجور، أو مأزور، أما المحسن المأجور، فهو الذي درس التجويد وأتقنه، وقرأ القرآن من غير لحن مطلقًا، فهذا الذي ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله: " الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السَّفَرة الكرام البَرَر". وأما المسيء المأجور، فهو الذي في لسانه عوج لا يتمكن من نطق الحروف، إما خلقة وإما عجمة، ويسعى باذلاً جهده لإزالة ذلك من لسانه، ولم يجد مَن يساعده على ذلك، فهذا الذي ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: " والذي يقرأ القرآن وهو يَتَتعتع فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران ".
" الَّذي يقرأُ القرآنَ وَهوَ ماهرٌ بِه معَ السَّفرةِ الكرامِ البررةِ والَّذي يقرؤُه وَهوَ يشتدُّ عليهِ فلَه أجرانِ " الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1454 خلاصة حكم المحدث: صحيح
وأما المسيء المأزور - الآثم - فهو الذي قدر على تصحيح كلام الله العربي الفصيح، وعدل به إلى اللفظ الأعجمي أو النبطي، مستغنيًا بنفسه، مستبدًّا برأيه، متكلاً على ما ألِف من حفظه، مستكبرًا عن الرجوعِ إلى عالم يُوقِفه على صحيح لفظه، فإن مثل هذا تكون قراءته عليه وليست له، ويكون عليه في كل حرف لا يعطيه حقه أو مستحقه إثم، فانظر - رحمك الله - كم يقرأ ذلك المسكين من القرآن، وهو على هذه الحال، وهو يظن أنه يُحسِن صنعًا، والسيئات تتراكم عليه بمئات الألوف، بل بالملايين وهو لا يدري!
وهنا قد يرد سؤال: هل مَن كان على هذه الحال ننصحه بترك قراءة القرآن حتى لا يأثم؟!
أقول إجابة على هذا السؤال: لا ، لأن الله تعالى يقول : ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]، ولا يخلو أي قارئ من الصواب في قراءته، فإذا أصاب كان له في كل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وكان عليه إذا أخطأ في كل حرف سيئة، فيطرح هذا من هذا، ويبدو - والله أعلم - أن حسناته ستكون أكثر، ويرجع ذلك إلى حال القارئ.
أسأل الله العلي القدير أن يرزقني وإياكم حسنَ الاتباع، والسَّير على منهج المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأن يرزقنا جميعًا حسن الخاتمة.
| |
|