* ذكر النفر الذين بحثوا عن التوحيد *
اجتمعت قريش يوماً في عيد لهم عند صنم من أصناهم , كانوا يعظمونه و ينحرون له , و يعكفون عنده , و يدورون به , و كان ذلك عيداً لهم , في كل يوماً , فخلص منهم أربعة نجيا - نجيا : هم جماعة يتحدثون سراً .
ثم قال بعضهم لبعض : تصادقوا , و ليكتم بعضكم على بعض .
قالوا : أجل .
و هم عبيدالله بن جحش و ورقة بن نوفل و عثمان بن الحويرث و زيد بن عمرو بن نفيل .
فقال بعضهم لبعض : تعلموا و الله ما قومكم على شيء ! لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم , ما حجر نطوف به , لا يسمع و لا يبصر , و لا يضر و لا ينفع ؟! يا قوم التمسوا لأنفسكم , فإنكم و الله ما أنتم على شيء , فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنفية دين إبراهيم
عبيد الله بن جحش :
أما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الألتباس حتى أسلم , ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة , و معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان , فلما قدم الحبشة تنصر , و فارق الأسلام .
و في بعض الروايات عنه : أنه كان حين تنصر , يمر بأصحاب رسول الله – صلى الله عليه و سلم - , و هم هنالك من أرض الحبشة فيقول : فقحنا و صأصأتم .
أي : أبصرنا و أنتم تلتمسون البصر , و لم تبصروا بعد , و ذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينه لينظر صأصأ لينظر . حتى هلك هنالك نصرانياً .
و تزوج رسول الله – صلى الله عليه و سلم – بعده على امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان – رضي الله عنها – .
و يقال أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم – بعث فيها إلى النجاشي , فخطبها عليه النجاشي ؛ فزوجه إياها و أصدقها عن رسول الله – صلى الله عليه و سلم – أربعمائة دينار إلا عن ذلك .
ورقة ابن نوفل :
فأما ورقة ابن نوفل فاستحكم في النصرانية , واتبع الكتب من أهلها , حتى علم علماً من أهل الكتاب .
و ورقة بن نوفل هو ابن عم أمنا خديجة – رضي الله عنها – زوجة رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و هو الذي أنبأ أمنا خديجة – رضي الله عنها – لأن زوجها نبي و سأذكر القصة عند البعثة إن شاء الله .
لما أخبره الرسول الله – صلى الله عليه و سلم – ما أخبره في غار حراء قال له كلمة عجيبة أثبتت حسن نيته قال – رحمه الله - : يا ليتني كنت في هادي عنك فأنصرك نصراً عزيزاً حين يخرجك قومك .
فنقطع الوحي عن رسول الله – صلى الله عليه و سلم – عدة أشهر و خلالهم مات ورقة بن نوفل فحدّث رسول الله – صلى الله عليه و سلم – أصحابه عنه ": رأيت ورقة ابن نوفل في الجنة ."
أكرمه الله الجنة لصدق نيته على التوحيد فرحمة الله عليه .
زيد بن عمرو بن نفيل :
و أما زيد بن عمرو بن نفيل بدأ يسأل الناس عن أعلم أهل الأرض فدلوه على رجل يهودي فذهب إليه و طلب منه أن يعلمه دينه , فتعلم منه اليهودية .
فقال له : أهذا دين الحق ؟قال اليهودي : نعم هذا دين الحق .
قال له زيد : و كيف أكون يهودياً ؟قال اليهودي : لا تكون يهودياً حتى يصيبك شيء من غضب الله !!!
قال زيد : إنما أفر من غضب الله .
فقال : لا , دلني على غير ذلك .
قال اليهودي :لا أعلم إلا أن تكون حنيفاً .
قال زيد : ما حنيف ؟!!
قال اليهودي : موحداً .
قال زيد : ما موحد ؟قال اليهودي : دين إبراهيم .
قال زيد : و ما دين إبراهيم ؟قال اليهودي : لا أعلم دين قديم إندثر , مات علمائه و اختفى .
قال زيد : دلني على غير ذلك .
قال اليهودي : لا أعلم أذهب إلى فلان فأنه أعلم أهل الأرض .
فذهب إليه فإذا هو نصراني , فتعلم من دينه .
فقال له : أهذا دين الحق ؟قال النصراني : نعم هذا دين الحق .
قال له زيد : و كيف أكون نصرانياً ؟قال النصراني : لا تكون النصرانياً حتى يصيبك شيء من الضلالة !!!
قال زيد : إنما أفر من الضلالة !!!
فقال : لا , دلني على غير ذلك .
قال النصراني :لا أعلم إلا أن تكون حنيفاً .
قال زيد : ما حنيف ؟!!
قال النصراني : موحداً .
قال زيد : ما موحد ؟قال اليهودي : دين إبراهيم .
قال زيد : و ما دين إبراهيم ؟قال النصراني : لا أعلم دين قديم إندثر , مات علمائه و اختفى .
قال زيد : دلني على غير ذلك .
قال النصراني : لا أعلم إلا هذا , و لكن قد أظل زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها , يبعث بدين ابراهيم الحنيفية , فالحق بها , فإنه مبعوث الآن , هذا زمانه .
فانصرف زيد و رجع إلى مكة فقال : أعبد رب ابراهيم .
و بادي قومه يعيب ما هم عليه , فاعتزل الأوثان و الميتة و الدم و الذبائح التي تذبح على الأوثان .
و عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها – قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو ابن نفيل شيخاً كبيراً مسنداً ظهره إلى الكعبة , و هو يقول : يا معشر قريش , و الذي نفس زيد بن عمرو بيده , ما أصبح منكم أحد على دين ابراهيم غيري , ثم يقول : اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به , و لكني لا أعلمه , ثم يسجد على راحته ( أي بغير عدد معين لعدم معرفته بذلك ) .
و عن ابنه سعيد بن زيد بن نفيل و ابن عمه عمرو بن الخطاب – رضي الله عنه – , قالا لرسول الله – صلى الله عليه و سلم – : أنستغفر لزيد بن عمرو ؟قال ": ( نعم , فإنه يبعث أمة لوحده ) ." أما معنى ذلك أن الجميع يوم القيامة تجمع أمم و كل أمة يرأسها رسولها , فمثلاً المسلمون تحت لواء سيد المرسلين - صلى الله عليه و سلم - ( جمعنا الله و إياكم تحت لوائه " إلا زيد بن عمرو بن نفيل أمة لوحده لإنه اهتدى لوحده ."
و كان الخطاب عمه قد آذى زيداً , حتى أخرجه إلى أعلى مكة , فنزل حراء مقابل مكة , و وكل به الخطاب شاباً من شباب قريش وسفهاء من سفهائهم فقال لهم : لا تتركوه يدخل مكة , فكان لا يدخلها إلا سراً منهم , فإذا علموا بذلك , آذنو به الخطاب , فآخرجوه و آذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم , و أن يتابعه أحد منهم على فراقه .
مات زيد بن عمرو قبل البعثة بخمس سنوات و قد قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – عنه : " رأيته يجر أثوابه في الجنة ."
و هكذا لم يلحق هذا الرجل العظيم الذي اهتدى إلى الحق لوحده دون أن يعلمه أجد و نحن الذين وصلنا الأسلام و لكن لم نعطه حقه فرحمة الله عليك يا ابن نفيل و نرجو لقائك بالجنة إن شاء الله