اسم السورة : هود | رقم الآية : 71
ضحكت وقالت: عجباً لأضيافنا هؤلاء، نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم، وهم لا يأكلون طعامنا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا نصر بن علي، حدثنا نوح بن قيس عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم، قال: كانوا أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفائيل.
قال نوح بن قيس: فزعم نوح بن أبي شداد أنهم لما دخلوا على إبراهيم، فقرب إليهم العجل، مسحه جبريل بجناحه، فقام يدرج حتى لحق بأمه، وأم العجل في الدار، وقوله تعالى إخباراً عن الملائكة: {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} أي: قالوا: لا تخف منا، إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم، فضحكت سارة استبشاراً بهلاكهم؛ لكثرة فسادهم، وغلظ كفرهم، فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس.
وقال قتادة: ضحكت وعجبت أن قوماً يأتيهم العذاب، وهم في غفلة.
وقوله: {وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ} قال العوفي عن ابن عباس: فضحكت، أي: حاضت، وقول محمد بن قيس: إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط، وقول الكلبي: إنها إنما ضحكت لما رأت من الروع بإبراهيم ضعفاً ووجداً، وإن كان ابن جرير قد رواهما بسنده إليهما، فلا يلتفت إلى ذلك، والله أعلم. وقال وهب بن منبه: إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق، وهذا مخالف لهذا السياق؛ فإن البشارة صريحة مرتبة على ضحكها {فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ} أي: بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل؛ فإن يعقوب ولد إسحاق؛ كما قال في آية البقرة: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَآئِكَ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133]. ومن ههنا استدل من استدل بهذه الآية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق؛ لأنه وقعت البشارة به، وأنه سيولد له يعقوب، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه، وهو طفل صغير، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده، ووعد الله حق لا خلف فيه، فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه، فتعين أن يكون إسماعيل، وهذا من أحسن الاستدلال، وأصحه وأبينه، ولله الحمد.
تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير