يقول تعالى مخبرا وحاكيا بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح بن مريم وهو عبد من عباد الله وخلق من خلقه أنه هو الله تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ثم قال مخبرا عن قدرته على الأشياء وكونها تحت قهره وسلطانه " قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا" أي لو أراد ذلك فمن ذا الذي كان يمنعه منه أو من ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك ثم قال ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء أي جميع الموجودات ملكه وخلقه وهو القادر على ما يشاء لا يسئل عما يفعل بقدرته وسلطانه وعدله وعظمته وهذا رد على النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ثم قال تعالى ردا على اليهود والنصارى في كذبهم وافترائهم : "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه" أي نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية وهو يحبنا ونقلوا عن كتابهم أن الله تعالى قال لعبده إسرائيل أنت ابني بكري فحملوا هذا على غير تأويله وحرفوه وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم وقالوا هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم :" إني ذاهب إلى أبي وأبيكم"ـ يعني ربي وربكم ومعلوم أنهم لم يدعوا لأنفسهم من النبوة ماادعوها في عيسى عليه السلام وإنما أرادوا من ذلك معزتهم لديه وحظوتهم عنده ولهذا قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه قال الله تعالى رادا عليهم:" قل فلم يعذبكم بذنوبكم" - أي لو كنتم كما تدعون أبناءه وأحباءه فلم أعد لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم وقد قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه فلم يرد عليه فتلا عليه الصوفي هذه الآية : " قل فلم يعذبكم بذنوبكم" .
وهذا الذي قاله حسن وله شاهد في المسند للإمام أحمد 3104 حيث قال حدثنا بن أبي عدي عن حميد عن أنس قال : مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم في نفرٍ من أصحابهِ وصبيٌّ في الطريقِ فلمَّا رأتْ أمهُ القومَ خشيَتْ على ولدِها أن يوطأَ فأقبلتْ تسعَى وتقولُ ابني ابني وسعَتْ فأخذَتهُ فقال القومُ : يا رسولَ اللهِ ما كانت هذه لتلقي ابنَها في النَّارِ قال : فخفضَهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم فقال :" لا واللهِ لا يلقي حبيبَهُ في النارِ".
الراوي: أنس بن مالك بن النضر
المحدث: السفاريني الحنبلي -
المصدر: شرح ثلاثيات المسند - الصفحة أو الرقم: 1/638
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح .
"بل أنتم بشر ممن خلق " أي لكم أسوة أمثالكم من بني آدم وهو سبحانه الحاكم في جميع عباده " يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" أي هو فعال لما يريد لامعقب لحكمه وهو سريع الحساب
"ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما" أي الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه " وإليه المصير" أي المرجع والمآب إليه فيحكم في عباده بما يشاء وهو العادل الذي لا يجور .