اسم السورة : الحجرات | رقم الآية : 9
{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }
كلمة {طَآئِفَتَانِ...}
مثنى طائفة وهي مفرد في اللفظ، وإنْ دَّلتْ في واقعها على الجمع مثل كلمة قوم، تُجمع طائفة على طوائف. وهذه الآية تقرر حكماً يتعلق بالحرب وضرورة الصلح بين الطائفتين المتحاربتين، حتى لا تستمر الحروب بين المؤمنين بعضهم البعض.
ونلاحظ هنا أن لفظ {طَآئِفَتَانِ...} مثنى. والقياس أن يقول: اقتتلتا لكن القرآن جمعها فقال: {ٱقْتَتَلُواْ...} لماذا؟ قالوا:
لأن الطائفة كتنظيم تتمثل في واحد، هو رئيس هذه الطائفة، لكن إذا دار القتال تقابل أفراد الطائفتين، فالقتال بمجموع الأفراد.
بدليل أنه لما تحدَّث عن الصلح عاد إلى لفظ المثنى، فقال: {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا...} لأن مجلس الصلح ليس بالضرورة أنْ يحضره جميع أفراد الطائفة، بل ينوب عنهم شخص واحد يعقد الصلح.
{فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ...} أي: بعد أنْ تمّ الصلح وبغَتْ إحدى الطائفتين على الأخرى. يعني: تعدَّتْ وتجاوزتْ الحدَّ في العدوان ولم تحترم الصلح {فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي...} أي: لردعها {حَتَّىٰ تَفِيۤءَ...} ترجع {إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ...} أي: إلى الحق.
وهكذا أصبح لدينا ثلاث طوائف، طائفتان اقتتلتا، وطائفة تحكم بينهما بالصلح، ذلك لأن المجتمع المؤمن في مجموعة مؤتمنٌ على هذه المهمة، مهمة الحكم بين المتخاصمين، ولديه ما يؤهله للعدل وعدم الميل أو اتباع الأهواء في عملية الصلح، وإذا لم تتوافر هذه الشروط في الحكم لا يتم الصلح، بل تتفاقم الأمور وتزيد تعقيداً.
ويكفي أن صاحب الهوى والميل في الحكومة بين الطرفين يسقط من نظر الجميع، حتى الفئة التي حكم لصالحها زوراً تمقته، لذلك قالوا عن شاهد الزور: ترتفع الرؤوس على الخصم بشهادته، وتدوس الأقدام على كرامته.
وقوله تعالى: {فَإِن فَآءَتْ...} أي: بعد القتال وعادتْ إلى الصواب، فعودوا أنتم إلى الصلح {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ...} والمعنى: لا تتركوا الفئة التي فاءتْ إلى الحق دون أنْ تُصلحوا بينهما، صحيح هي عادتْ إلى الحق لكن ما زال الخلاف قائماً فلا بدَّ من الصلح حتى لا تفرخ حرباً أخرى وتبقى جذور الخلاف تتأجج في الصدور فتشغل المعارك من جديد.
إذن: منعنا المعركة أولاً، ورددنا المظالم إلى أهلها، ونزعنا فتيل الحرب.
وكلمة {وَأَقْسِطُوۤاْ...} من أقسط يُقسط فهو مُقْسط أي: اعدلوا بينهما {إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ} العادلين، وهناك قسَط يقسط فهو قاسط أي: جائر. ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [الجن: 15] فالهمزة في أقسط همزة إزالة. أي: أزال الجور والظلم.
خواطر محمد متولي الشعراوي