آزر ، أأزر ، أإزر، تارخ ، تارح ؟
من هو والد ابراهيم الخليل عليه السلام؟
اختلف اهل العلم والتفسير و التأريخ والنسب في اسم والد خليل الله إبراهيم عليه السلام ، على قولين :
القول الأول :
اسمه "
تارح "، أو "
تارخ "، وهو قول أكثر العلماء والمفسرين.
قال
الزجاج :
"
لا خلاف بين النسابين في أن اسم أبي إبراهيم _ تارح _ "
" معاني القرآن " (2/265) وقد اعترض الإمام
القرطبي على نقل الإجماع بإثبات وجود الخلاف .
قال
ابن كثير رحمه الله :
"
جمهور أهل النسب - منهم ابن عباس - على أن اسم أبيه تارح ، وأهل الكتاب يقولون تارخ " ا
" البداية والنهاية " (1/163) وقد ورد ذلك في صريح كلام
ابن عباس : كما عند
ابن أبي حاتم في "
التفسير "
(4/1324-1325) بإسنادين عنه .
وصريح كلام
مجاهد أيضا : كما في "
جامع البيان "
للطبري (11/466) وصريح كلام
ابن جريج : أخرجه
ابن المنذر بسند صحيح كما قال
السيوطي في "
الدر المنثور "
(3/300)، وفي "
الحاوي "
(2/259) ويبقى السؤال – بناء على هذا القول – ما المقصود بـ "
آزر " إذن في الآية الكريمة :
(
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )
الأنعام:74. اختلف المفسرون الأجلاء في توجيه الآية إلى أقوال كثيرة :
فقال بعضهم :
1-
إن لوالد إبراهيم عليه السلام اسمين ، آزر ، و "
تارح "
كما روى
الطبري في "
جامع البيان " (11/466) بسنده عن
سعيد بن عبد العزيز قال : هو "
آزر " ، وهو "
تارح " ، مثل "
إسرائيل " و "
يعقوب " .
وقال كثير من المفسرين إن أبا
إبراهيم اسمه
بالسريانية تارح وبغيرها
آزر .
2-
وصرح بعضهم بأن "
آزر "
اسم صنم قال
مجاهد :
آزر لم يكن بأبيه ، إنما هو صنم .
رواه
الطبري في "
جامع البيان "
(11/466) من طريقين عنه.
3- وقال آخرون : "
هو سبٌّ وعيب بكلامه ، ومعناه :
معوَجٌّ كأنه تأوّل أنه عابه بزَيْغه واعوجاجه عن الحق "
"
جامع البيان "
(11/467)4- وجوز
الطبري رحمه الله أيضا أن يكون "
آزر "
لقبا لوالد إبراهيم ، وليس اسما .
"
جامع البيان "
(11/469).
ونقله بعض المفسرين عن مقاتل بن سليمان، وفي معنى هذا اللقب " آزر " أقوال كثيرة بلا ادلة . القول الثاني :
اسمه " آزر "، أخذا بظاهر الآية الكريمة :
(
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )
الأنعام:74. وبظاهر الحديث الشريف الذي يرويه الإمام
البخاري رحمه الله في "
صحيحه "
(3350):
عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ :
(
يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي ؟ فَيَقُولُ أَبُوهُ : فَالْيَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ . فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ : يَا رَبِّ ، إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ، فَأَي خِزْىٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ ؟! فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ )
وأشهر من قال بهذا القول إمام المغازي والسير:
محمد بن إسحاق ، كما روى ذلك عنه
ابن جرير الطبري بسنده في "
جامع البيان "
(11/466) قال :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل قال ، حدثني محمد بن إسحاق قال :
" آزر "، أبو إبراهيم ، وكان - فيما ذكر لنا والله أعلم - رجلا من أهل كُوثَى ، من قرية بالسواد ، سواد الكوفة.ورواه الطبري في تفسيره [size=16](11/467) عن
السدي .
واختاره الإمام
الطبري فقال :
"
أولى القولين بالصواب منهما عندي قولُ من قال : هو اسم أبيه ؛ لأن الله تعالى ذكره أخبر أنه أبوه ، وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم ، دون القول الآخر الذي زعم قائلُه أنه نعتٌ " "
جامع البيان "
(11/468) قال الشيخ
أحمد شاكر رحمه الله – في تعليقه على تأويلات القول الأول:
"
هذه الأقوال وغيرها مما ذهب إليه بعض المفسرين لا تستند إلى دليل ، وأقوال النسابين لا ثقة بها ، وما في الكتب السالفة ليس حجة على القرآن ، فهو الحجة ، وهو المهيمن على غيره من الكتب ، والصحيح أن آزر هو الاسم العَلَم لأبي إبراهيم كما سماه الله في كتابه "
انتهى باختصار من تحقيق كتاب " المعرب " للجواليقي (ص/77). ثم عقد الشيخ
أحمد شاكر رحمه الله في آخر تحقيقه للكتاب مبحثا خاصا بعنوان : "
آزر تحقيق أنه اسم أبي إبراهيم عليه السلام " (ص/407-413)، وكان مما قال فيه :
"
وبعد : فإن الذي ألجأهم إلى هذا العنت شيئان اثنان : قول النسابين ، وما في كتب أهل الكتاب .
أما قول النسابين فإن هذه الأنساب القديمة مختلفة مضطربة ، وفيها من الخلاف العجب – وذكر مثالا على اختلاف النسابين ، ثم قال -
وأما كتب أهل الكتاب فإن الله سبحانه وصف هذا القرآن فقال : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) المائدة/48. والمهيمن الرقيب ، فهذا القرآن رقيب على غيره من الكتب ، وليس شيء منها رقيبا عليه .
والحجة القاطعة في نفي التأويلات التي زعموها في كلمة " آزر " وفي إبطال ما سموه قراءات تخرج باللفظ عن أنه علم لوالد إبراهيم ، الحديث الصحيح الصريح في البخاري – فذكر الحديث السابق ، ثم قال - فهذا النص يدل على أنه اسمه العلم ، وهو لا يحتمل التأويل ولا التحريف .
ووجه الحجة فيه : أن هذا النبي الذي جاءنا بالقرآن من عند الله فصدقناه وآمنا أنه لا ينطق عن الهوى هو الذي أخبر أن آزر أبو إبراهيم ، وذكره باسمه العلم في حديثه الصحيح ، وهو المبين لكتاب الله بسنته ، فما خالفها من التأويل أو التفسير باطل .
وهذه الأخبار عن الأمم المطوية في دفائن الدهور المتغلغلة في القدم قبل تأريخ التواريخ ، لا نعلم عنها خبرا صحيحا إلا ما حكاه النبي المعصوم ، إخبارا عن الغيب بما أوحى الله إليه في كتابه ، أو ألقى في روعه في سنته وحيا أو إلهاما ، إذ لا سبيل غيره الآن لتحقيقها تحقيقا علميا تاريخيا ، وما ورد في كتب أهل الكتاب لم تثبت نسبته إلى من نسب إليه بأية طريق من طرق الثبوت ، فلا يصلح أن يكون حجة لأحد أو عليه .
وليس لمعترض أن يشكك في صحة الحديث الذي روينا ، فإن أهل العلم بالحديث حكموا بصحته ، وكفى برواية البخاري إياه في صحيحه تصحيحا ، وهم أهل الذكر في هذا الفن ، وعنهم يؤخذ ، وبهم يقتدى في التوثق من صحة الحديث "
انتهى من تحقيق كتاب " المعرب " للجواليقي (ص/411-413) وجاء في "
فتاوى اللجنة الدائمة "
(4/216-217) :
"
آزر هو أبو إبراهيم ، لقوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً )، وهذا نص قطعي صريح لا يحتاج إلى اجتهاد ، ورجح ذلك الإمام ابن جرير وابن كثير "
انتهى.عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن غديان – عبد الله بن قعود . وبهذا يتبين أن "
آزر " هو اسم
والد إبراهيم الحقيقي كما هو ظاهر القرآن والسنة ، وهو القول الراجح إن شاء الله تعالى ، وذلك لا يعني نفي أن يكون "
تارح " أيضا اسم علم له ، سواء في لغة أخرى ، أو عند قوم آخرين ، خاصة وأن بعض الدارسين في اللسانيات يقررون أن اسم "
آزر " هو نفسه اسم "
تارح " وإنما طرأ عليه شيء من التغيير مع مرور الزمان وتغير اللهجات .
يقول الدكتور
عبد الرحيم الهندي :
"
وهناك احتمال آخر ، وهو أن لفظ آزر هو تارح ، طرأ عليه شيء من التغيير ، قد يبدو هذا غريبا ، ولكن الحقائق تؤيد هذا الاحتمال .
إن اسمه المذكور في التوراة (التكوين 11/26) (تيرح)، وفي ترجمة التوراة اليونانية المعروفة بالترجمة السبعينية كتب اسمه هكذا : (....) ونطقه : " ثرّا " ، وقد حذفت منه الحاء ، ويرى " غيجر " أن " ثرا " بالقلب المكاني أصبح " آثر "، ثم " آزر " .
ومثل هذا التغيير جائز الوقوع ، ومثال آخر لذلك " عيسى "، وأصله بالعبرية " يشوع " فقد انتقلت فيه العين من آخر الكلمة إلى أولها ، وأصبحت الواو ياء "
انتهى من تحقيق " المعرَّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم " للجواليقي (ت540هـ) (ص/135)ومن مراجع التفسير : " زاد المسير " (2/46)، " الجامع لأحكام القرآن " (7/22-23)، " تفسير القرآن العظيم " (3/288-289)، " التحرير والتنوير " (7/310-312) ومما ينبغي التنبيه اليه أن الاختلاف في اسم أبي إبراهيم عليه السلام ليس من مسائل العقيدة التي يبحث فيها عن قول أهل السنة والجماعة ، بل هي مسألة علمية اجتهادية للاجتهاد فيها حظ واسع من النظر ، وقد قال بكلا القولين من كبار المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
[/size]