إنما الأعمال بالنيات- الحديث الاول مع الشرح لأحاديث الأربعين نووية ( الإمام النووي(
الحديث الأولعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول :"
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
رواه إماما المحدثين :
أبو عبد الله محمد ابن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاريو
أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري. في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة .
المفردات ::
إنما : للحصر ، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه .
الأعمال : الشرعية المفتقرة إلى النية .
بالنيات : بتشديد الياء وتخفيفها جمع نية وهي عزم القلب.
وإنما لكل امريء ما نوى : فمن نوى شيئا لم يحصل له غيره .
فمن كانت هجرته : إنتقاله من دار الشرك إلى دار الإسلام .
إلى الله ورسوله : بأن يكون قصده بالهجرة طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فهجرته إلى الله ورسوله : ثوابا وأجرا .
لدنيا : بضم الدال وكسرها من الدنو، أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى ، أو لدنوها إلى الزوال ، وهي ما على الأرض مع الهواء والجو مما قبل قيام الساعة . وقيل : المراد بها هنا المال بقرينة عطف المرأة عليها .
يصيبها : يحصيها .
ينكحها : يتزوجها .
فهجرته إلى ما هاجر إليه : كائنا ما كان ، فالأول تاجر والثاني خاطب
يستفاد منه :1-
الحث على الإخلاص ، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صوابا وابتغي به وجهه . ولهذا استحب العلماء استفتاح المصنفات بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية.
2-
أن الأفعال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل إذا فعلها المكلف على سبيل العادة لم يترتب الثواب على مجرد ذلك الفعل وإن كان صحيحا ، حتى يقصد بها التقرب إلى الله .
3-
فضل الهجرة إلى الله ورسوله . وقد وقعت الهجرة في الإسلام على وجهين : الأول _ الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن ، كما في هجرتي الحبشة ، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة ، الثاني _ الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان ، وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين . وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة ، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص . وبقي عموم الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام لمن قدر عليه واجبا .
فوائد وتذكرة مهمة :لقد نال هذا الحديث النصيب الأوفر من اهتمام علماء الحديث ؛ وذلك لاشتماله على قواعد عظيمةٍ من قواعد الدين ، حتى إن بعض العلماء جعل مدار الدين على حديثين : هذا الحديث ، بالإضافة إلى حديث عائشة رضي الله عنها : (
من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ؛ ووجه ذلك أن حديث "
من عمل عملاً..." هو :
ميزان للأعمال الظاهرة.
وحديث "
إنما الأعمال بالنيات ..." هو :
ميزان للأعمال الباطنة .
والنيّة في اللغة : هي
القصد والإرادة ، فيتبيّن من ذلك أن
النيّة من أعمال القلوب ،
فلا يُشرع النطق بها ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلفظ بالنية في العبادة .
أما قول الحاج : "
لبيك اللهم حجًّا "
فليس نطقاً بالنية ، لكنه إشعارٌ بالدخول في النسك ، بمعنى أن التلبية في الحج بمنـزلة التكبير في الصلاة ،
ومما يدل على ذلك أنه لو حج ولم يتلفّظ بذلك صح حجه عند جمهور أهل العلم .
وللنية فائدتان :
أولاً :
تمييز العبادات عن بعضها ، وذلك كتمييز الصدقة عن قضاء الدين ، وصيام النافلة عن صيام الفريضة .
ثانياً :
تمييز العبادات عن العادات ، فمثلاً : قد يغتسل الرجل ويقصد به غسل الجنابة ، فيكون هذا الغسل عبادةً يُثاب عليها العبد ، أما إذا اغتسل وأراد به التبرد من الحرّ ، فهنا يكون الغسل عادة ، فلا يُثاب عليه ، ولذلك استنبط العلماء من هذا الحديث قاعدة مهمة وهي قولهم : " الأمور بمقاصدها " ، وهذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه .
{{ ولأهمية النية قبل اي عمل : فضلاً اقرأ المواضيع التالبية :
1- "
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]2-
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] 3-
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]4-
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]5-
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وفي صدر هذا الحديث ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (
إنما الأعمال بالنيات ) ، أي :
أنه ما من عمل إلا وله نية ، فالإنسان المكلف لا يمكنه أن يعمل عملاً باختياره ، ويكون هذا العمل من غير نيّة ، ومن خلال ما سبق يمكننا أن نرد على أولئك الذين ابتلاهم الله بالوسواس فيكررون العمل عدة مرات ويوهمهم الشيطان أنهم لم ينووا شيئا ، فنطمئنهم أنه لا يمكن أن يقع منهم عمل باختيارهم من غير نيّة ، ما داموا مكلفين غير مجبرين على فعلهم .
ويستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم : (
وإنما لكل امريء ما نوى )
وجوب الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال ؛ لأنه أخبر أنه لا يخلُصُ للعبد من عمله إلا ما نوى ، فإن نوى في عمله اللهَ والدار الآخرة ، كتب الله له ثواب عمله ، وأجزل له العطاء ، وإن أراد به السمعة والرياء ، فقد حبط عمله ، وكتب عليه وزره ، كما يقول الله عزوجل في محكم كتابه : {
فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) .
وبذلك يتبين أنه يجب على الإنسان العاقل أن يجعل همّه الآخرةَ في الأمور كلها ، ويتعهّد قلبه ويحذر من الرياء أو الشرك الأصغر ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى ذلك : (
مَن كانتِ الدُّنيا هَمَّهُ ، فرَّقَ اللَّهُ علَيهِ أمرَهُ ، وجعلَ فَقرَهُ بينَ عينيهِ ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما كتبَ لَهُ ، ومن كانتِ الآخرةُ نيَّتَهُ ، جمعَ اللَّهُ لَهُ أمرَهُ ، وجعلَ غِناهُ في قلبِهِ ، وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغِمةٌ )
الراوي: زيد بن ثابت المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 3329. خلاصة حكم المحدث: صحيح
ومن عظيم أمر النيّة أنه قد يبلغ العبد منازل الأبرار ، ويكتب له ثواب أعمال عظيمة لم يعملها، وذلك بالنيّة ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما رجع من غزوة تبوك : (
إنَّ بالمدينةِ أقوامًا، ما سِرتُم مسيرًا، ولا قطعتُم واديًا إلا كانوا معكم ) . قالوا : يا رسولَ اللهِ، وهم بالمدينةِ ؟ قال : (
وهم بالمدينةِ، حبسهُمُ العذرُ ) . )
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4423. خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
ولما كان قبول الأعمال مرتبطاً بقضية الإخلاص ، ساق النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً ليوضح الصورة أكثر ، فقال : (
فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ).
وأصل الهجرة : الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام ، أو من دار المعصية إلى دار الصلاح ، وهذه الهجرة لا تنقطع أبداً ما بقيت التوبة ؛ فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
لا تنقطِعُ الهجرةُ حتَّى تنقَطعَ التَّوبةُ، ولا تنقطِعُ التَّوبةُ حتَّى تطلِعَ الشَّمسُ مِن مغربِها "
الراوي: معاوية بن أبي سفيان المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 2479. خلاصة حكم المحدث: صحيح
وقد يستشكل البعض ما ورد في الحديث السابق ؛ حيث يظنّ أن هناك تعارضاً بين هذا الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم : (
لا هجرة بعد الفتح ) كما في " الصحيحين "
"أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال يومَ الفتحِ : (
لا هجرةَ بعدَ الفتحِ، ولكن جهادٌ ونِيَّةٌ، وإذا استُنفِرْتُم فانفِروا ) .
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2825. خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
" سُئل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الهجرةِ ؟ فقال (
لا هجرةَ بعد الفتحِ . ولكن جهادٌ ونيَّةٌ . وإذا استنفِرُتم فانفِروا)"
الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1864. خلاصة حكم المحدث: صحيح
والجواب عن ذلك : أن المراد بالهجرة في الحديث الأخير معنىً مخصوص ؛ وهو :
انقطاع الهجرة من مكة ، فقد أصبحت دار الإسلام ، فلا هجرة منها .
على أن إطلاق الهجرة في الشرع يراد به أحد أمور ثلاثة :
هجر المكان ، و
هجر العمل ، و
هجر العامل.
أما
هجر المكان : فهو الانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان .
وأما
هجر العمل : فمعناه أن يهجر المسلم كل أنواع الشرك والمعاصي ، كما جاء في الحديث النبوي : ( ا
لمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) متفق عليه .
واما
هجر العامل : هجران أهل البدع والمعاصي ، وذلك مشروط بأن تتحقق المصلحة من هجرهم ، فيتركوا ما كانوا عليه من الذنوب والمعاصي ، أما إن كان الهجر لا ينفع ، ولم تتحقق المصلحة المرجوّة منه ، فإنه يكون محرماً .
ومما يُلاحظ في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خصّ المرأة بالذكر من بين متاع الدنيا في قوله : (
أو امرأة ينكحها ) ، بالرغم من أنها داخلة في عموم الدنيا ؛
وذلك زيادة في التحذير من فتنة النساء ؛ لأن الافتتان بهنّ أشد ، مِصداقاً للحديث النبوي : (
ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) متفق عليه.
وقوله : (
فهجرته إلى ما هاجر إليه ) ، لم يذكر ما أراده من الدنيا أو المرأة ، وعبّر عنه بالضمير في قوله : (
ما هاجر إليه ) ، وذلك تحقيراً لما أراده من أمر الدنيا واستهانةً به واستصغاراً لشأنه ، حيث لم يذكره بلفظه .
ومما يستفاد من هذا الحديث - علاوة على ماتقدم - :
أن على الداعية الناجح أن يضرب الأمثال لبيان وإيضاح الحق الذي يحمله للناس ؛ وذلك لأن النفس البشرية جبلت على محبة سماع القصص والأمثال ، فالفكرة مع المثل تطرق السمع ، وتدخل إلى القلب من غير استئذان ، وبالتالي تترك أثرها فيه ، لذلك كثر استعمالها في الكتاب والسنة.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، والحمد لله رب العالمين.